وفرقوا أيضا بين حكمهما، فقالوا: الخلع لا يكون إلا بكراهة من جهة المرأة دون الرجل. ويجوز أن يأخذ منها مهر مثلها وزيادة، أو المهر المسمى وزيادة، أو أنقص من ذلك، كيف ما اتفقا عليه، من قليل وكثير. والمباراة تكون الكراهة منهما جميعا، ولا يجوز أن يأخذ منها أكثر من المهر، وقال بعضهم: دون المهر فإما مثل المهر أو أكثر فلا يجوز، والصحيح أنه يجوز أن يأخذ مثل المهر، فأما أكثر منه فلا يجوز.
فأما إذا كانت الحال بين الزوجين عامرة، والأخلاق ملتئمة، واتفقا على الخلع، فبذلت له شيئا على طلاقها، لم يحل له ذلك، وكان محظورا، لإجماع أصحابنا على أنه لا يجوز له خلعها، إلا بعد أن يسمع منها ما لا يحل ذكره، من قولها: لا اغتسل لك من جنابة، ولا أقيم لك حدا، ولأوطئن فراشك من تكرهه أو يعلم ذلك منها فعلا، وهذا مفقود هاهنا، فيجب أن لا يجوز الخلع، وأيضا قوله تعالى: " ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله " (1) وهذا نص، فإنه حرم الأخذ منها إلا عند الخوف من ترك إقامة الحدود.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإنما يجب الخلع، إذا قالت المرأة لزوجها إني لا أطيع لك أمرا، ولا أقيم لك حدا، ولا اغتسل لك من جنابة، ولأوطئن فراشك من تكرهه، إن لم تطلقني، فمتى سمع منها هذا القول، أو علم من حالها منها عصيانه (2) في شئ من ذلك، وإن لم تنطق به، وجب عليه خلعها.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: قوله رضي الله عنه: " وجب عليه خلعها "، على طريق تأكيد الاستحباب دون الفرض والإيجاب، لأن الشئ إذا كان عندهم شديد الاستحباب، أتوا به بلفظ الوجوب على ما بيناه في غير موضع، وإلا فهو مخير بين خلعها وطلاقها، وإن سمع منها ما سمع، بغير خلاف، لأن الطلاق