هذا الخوف، الدخول فيه، بعد إلزامه له، وخوفه المذكور منه، ويجتهد ويحرص بعد هذا كله على وضع الأمور الشرعية مواضعها، وإقرار الحق مقره، فإن لم يتمكن من ذلك، اجتهد فيما يتمكن منه، فإن لم يتمكن من فعل شئ ظاهرا فعله سرا، لا سيما فيما يتعلق بحقوق الإخوان في الدين، والتخفيف عنهم من ظلم السلاطين الجورة، من خراج، وغيره، فإن لم يتمكن من القيام بحق من الحقوق، والحال في التقية، على ما ذكرناه، جاز له أن يتقي في جميع الأشياء، وسائر الأمور، والأحكام التي لا تبلغ إلى قتل النفوس، وسفك الدماء المحرمة، لأن ذلك ليس فيه تقية عند أصحابنا، لا خلاف بينهم، أن لا تقية في قتل النفس، وسفك الدماء، فإذا كان الأمر في التقية ما ذكرناه، جاز له قبول جوائزه، وصلاته، ما لم يعلم أن ذلك ظلم بعينه، فإذا لم يعلم أنه بعينه ظلم، فلا بأس بقبوله، وإن كان المجيز له ظالما، وينبغي له أن يخرج الخمس من كل ما يحصل من ذلك، ويوصله إلى أربابه، ومستحقيه، وينبغي له أن يصل إخوانه من الباقي بشئ، ويتصرف هو في منافعه بالبعض، الذي يبقى من ذلك.
وإذا تمكن الإنسان من ترك معاملة الظالمين، بالبيع والشراء، وغير ذلك، فالأولى به تركها، ولا يتعرض لشئ منها جملة، وإن لم يتمكن من ترك معاملتهم، كانت جائزة إلا أنه لا يشتري منهم شيئا يعلم أنه مغصوب بعينه جميعه، فإن كان يعلم أن فيه شيئا مغصوبا، إلا أنه غير مميز العين، بل هو مخلوط في غيره من غلاته، التي يأخذها على جهة الخراج، وأمواله، فلا بأس أيضا بشرائه منها، وقبول صلته منها، لأنها صارت بمنزلة المستهلكة، لأنه غير قادر على ردها بعينها، ولا يقبل منه ما هو محرم في شرع الإسلام، فإن خاف من رد جوائزهم وصلاتهم، التي يعلمها ظلما بأعيانها، وغصبا، على نفسه وماله، جاز له قبولها عند هذه الحال، ويجب عليه ردها على أربابها، إن عرفهم، فإن لم يعرفهم، عرف ذلك المال، واجتهد في طلبهم.