وقال رحمه الله في نهايته: وإن شهد رجلان على رجل، بطلاق امرأته، فاعتدت وتزوجت، ودخل بها، ثم رجعا، وجب عليهما الحد، وضمنا المهر للزوج الثاني، وترجع المرأة إلى الأول بعد الاستبراء بعدة من الثاني (1).
قال محمد بن إدريس رحمه الله: قوله ويضربان الحد، يريد بذلك التعزير، فسماه حدا، لأنه لا يجب على كل واحد منهما حد كامل، لكنهما شاهدا زور، فيعزران بحسب ما يراه الإمام عليه السلام، أو الحاكم من قبله.
وقوله: يرجع إلى الأول فيه نظر، لأنهما إذا شهدا بالطلاق عند الحاكم، كانا عنده وقت شهادتهما بشرائط العدالة، وحكم بشهادتهما، وأمضى الحكم، وتزوجت المرأة بحكمه.
وقوله: فلا تأثير لرجوعهما، ولا ينقض الحكم برجوعهما، بل يغرمان ما اتلفا وضيعا، بشهادتهما من الأموال، ولا ينقض الحاكم ما حكم به، ولا يرجع على المشهود له بشئ مما شهدا له به.
هذا حكم سائر في جميع الأشياء، مجمع عليه عند أصحابنا، وإليه يذهب شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه (2)، ومبسوطه (3).
قال في مسائل خلافه: مسألة، إذا شهد شاهدان بحق، وعرفت عدالتهما، وحكم الحاكم، واستوفى الحق، ثم رجعا عن الشهادة، لم ينقض حكمه، وبه قال جميع الفقهاء، وقال سعيد بن المسيب، والأوزاعي ينقضه، قال: دليلنا إن الذي حكم به مقطوع به بالشرع، ورجوعهما يحتمل الصدق والكذب، فلا ينقض به ما قد قطع عليه، هذا آخر كلامه رحمه الله في مسائل الخلاف.
قال محمد بن إدريس: وطلاق هذه المرأة مقطوع عليه، وتزويجها مأمور به، محكوم بصحة العقد، بغير خلاف، فلا يرجع عن هذا المقطوع عليه، المحكوم، بصحته شرعا، بأمر مظنون، وهو رجوعهما إليه، لأنه يحتمل الصدق والكذب، والحق