ولكن الانصاف أن ذلك كله أجنبي عن معنى الحديث، وليس السهو فيه بمعنى الشك ولا بمعنى النسيان ولا بمعنى الأعم، بل المراد من السهو هو المعنى المصطلح عليه في الأخبار، وهو عمل الشك من البناء على الأكثر والاتيان بما احتمل نقصه منفصلا، فإن هذا هو الذي عبر في الأخبار بالسهو. كما يدل عليه قوله عليه السلام " ألا أجمع لك السهو كله في كلمتين، إلى أن قال: كلما شككت... (1) إلخ " فعبر بالسهو عن عمل الاحتياط، وحينئذ يكون المراد من السهو في قوله " لا سهو في سهو " (2) هو ذلك أيضا، بل في نفس أخبار الباب ما يكون قرينة على ذلك. فإنه في بعضها جمع بين قوله " لا سهو في المغرب ولا في الغداة ولا في النافلة ولا في المأموم - ومن جملة ما ذكر في الرواية - ولا على السهو سهو " (3). فإن وحدة السياق تقتضي أن يكون المراد من السهو المنفي معنى واحدا، ومن المعلوم أن بقية ما ذكر في الرواية يراد منه عمل الاحتياط، وأنه ليس في صلاة المغرب من عمل الاحتياط عند الشك في ركعاتها من البناء على الأكثر والاتيان بما احتمل نقصه، وكذا في صلاة الصبح، وفي النافلة، وفي صلاة الإمام والمأموم مع حفظ الأكثر، فإن السهو المنفي في جميع ذلك إنما يراد منه عمل الاحتياط، من باب تسمية المسبب باسم السبب، حيث إن السهو بمعنى الشك هو الذي يوجب علم الاحتياط، فعبر عن نفس مسبب الشك والسهو من عمل الاحتياط بالسهو.
وحينئذ يكون المراد من السهو المنفي في قوله " لا سهو في السهو " أيضا هو عمل الاحتياط، فيكون المعنى أنه ليس عمل الاحتياط في صلاة الاحتياط. وينطبق