متمحض لما يصح أن يكون داعيا بعد دفع ذلك الاشكال بوجه على ما بيناه في محله، فحينئذ نقول:
أولا: أنه بعد العلم بتعلق الأمر بالشئ يكون قصد الأمن من العقاب، والنيل إلى الثواب، مع كونهما من الغايات المترتبة على الامتثال قصدا للأمر إجمالا، ولا ينفك قصدهما عن قصده لا محالة.
وثانيا: على فرض أنه يمكن التفكيك بينهما وأن قصدهما لا يكون قصدا إلى الأمر اجمالا، نقول: إن قصد الأمر لم يرد في آية ولا رواية حتى يقال بانحصار صحة العبادة فيه، بل الذي دلت عليه الروايات هو الاتيان بالفعل لله تعالى، وابتغاء لوجهه الأعلى ولمرضاته، فكلما كان الفعل لله كان العمل صحيحا. وقصد التخلص من عقابه تعالى، أو النيل إلى ثوابه يوجب صدق هذا المعنى العام، وهو كون الفعل لله وبذلك يستقيم ما صنعه بعض من عد ذلك في عرض قصد الأمر.
وبالجملة: ليس فيما بأيدينا من الأدلة ما يدل على انحصار صحة العبادة بقصد الأمر أو وجه الأمر، بل الذي يدل عليه الأدلة هو أن تكون العبادة لله وابتغاء.
وجهه الأعلى، ومعنى العبادة لله وابتغاء وجهه الأعلى، وإن لم نعرفه تفصيلا إلا أنه يكفي في صحة العبادة هو هذا المعنى العام، فتأمل جيدا.
المسألة الرابعة: لو كان الداعي إلى فعل العبادة هو التوصل بها إلى غرض دنيوي، فلا يخلو الأمر إما أن يكون ذلك الغرض الدنيوي مما أوعد به الله تعالى، وإما أن لا يكون والثاني إما يكون بوعد من غيره تعالى، وإما أن لا يكون بوعد، بل كان ذلك من الخواص المترتبة على الشئ، كما لو جرب أن صلاة الليل موجبة للتوسعة في الرزق، فقصد من صلاة الليل مجرد التوسعة، من دون أن يكون ذلك بوعد منه تعالى، ثم ما كان موعودا منه تعالى فتارة يكون الداعي هو نفس ذلك الغرض الدنيوي الموعود منه بلا توسيط قصد الأمر، وأخرى يكون ذلك من