الجهة والملاك معلومة لدى العبد تفصيلا، كالعطش في المثال المتقدم، وأخرى لا تكون كذلك. بل يعلم إجمالا أن هناك جهة باعثة للآمر تكون محبوبة عنده، كما هو الشأن في غالب الأوامر الشرعية بالنسبة إلى أغلب الناس، حيث لا يعلمون الملاك تفصيلا، والقدر المسلم في أقوائية الإطاعة والأدخلية في العبادة هو ما إذا كانت الجهة معلومة بالتفصيل، ويكون داعيه تحصيل تلك الجهة لكثرة الاشتياق والمحبة. وهذا لا يتفق إلا للأوحدي، وأما لو كانت الجهة معلومة إجمالا، فكونها أدخل وأقوى في الطاعة والعبادة ممنوعا، نعم يمكن أن يقال: إن الفعل لا يؤمر به على وجه العبادية إلا إذا كانت هناك جهة تقتضي العبادية، وإن لم تكن تلك الجهة معلومة لنا بالتفصيل، فالمعيار في العبادية إنما هي تلك الجهة، وقصد الأمر إنما يكفي في وقوع الفعل عبادة، لأنه يكون قصد إجمالي إلى تلك الجهة التي يدور عليها العبادة، فقصد نفس ذلك الجهة إجمالا يكون أولى في وقوع الفعل عبادة. وحينئذ لا ينبغي الاشكال في أن قصد الجهة يكفي في صحة العبادة.
ككفاية قصد الأمر فتأمل جيدا.
المسألة الثالثة: لو كان الداعي إلى الفعل هي الغايات المترتبة على الامتثال، كالفوز برضاه تعالى، أو النيل إلى الثواب، والأمن من العقاب، وأمثال ذلك بدون توسيط قصد الأمر، ففي كفايته في الصحة إشكال، وقد حكي عن العلامة (1) - قدس سره - المنع عن كفايته، وتبعه غير واحد، وقد يوجه ذلك.
بأن الأمن من العقاب، والنيل إلى الثواب، لا يترتب على ذات العمل، إذ ذات الصلاة بما هي هي لا يترتب على فعلها ثواب، ولا على تركها عقاب بل الذي يترتب الثواب والعقاب عليه إنما هو العبادة، والصلاة الواقعة على وجه العبادة.