عمل من هتك حرمته، ولو برفع صوته فوق صوته. ثم تذكر ما من الله به على الذين أدركوا صحبته، وسعدوا بمشاهدته واستماع كلامه، وأعظم تأسفك على ما فاتك من صحبته، وتضرع إلى الله ألا تفوتك صحبته في الآخرة، ولتعظم رجائك في ذلك، بعد أن رزقك الله الإيمان، وأشخصك من أرضك لأجل زيارته، محبة له، وتشوقا إليه.
ثم إذا دخلت مسجده، فتذكر أن أول موضع أقيمت فيه فرائض الله تلك العرصة، وأنها تضمنت أفضل خلق الله حيا وميتا، فارج الله غاية الرجاء أن يرحمك بدخولك إياه خاشعا معظما، وما أجدر ذلك المكان بأن يستدعي الخشوع من قلب كل مؤمن.
ثم إذا أتيته للزيارة، فينبغي أن تقف بين يديه خاضعا خاشعا خائفا، وتزوره ميتا كما تزوره حيا، ولا تقرب من قبره إلا كما تقرب من شخصه الكريم لو كان حيا، إذ لا فرق بين ميته وحيه، ولو وجدت التفرقة في قلبك لما كنت مؤمنا، ولتعلم أنه عالم بحضورك وقيامك وزيارتك، وإنه يبلغه سلامك وصلواتك. فمثل صورته الكريمة في خيالك، جالسا على سرير العظمة بحذائك، وأحضر عظيم رتبته في قلبك، وقد ورد أن الله تعالى وكل بقبره ملكا يبلغه سلام من سلم عليه من أمته. وهذا في حق من لم يحضر قبره، فكيف بمن فارق الأهل والوطن، وقطع البوادي شوقا إلى لقائه، واكتفى وقنع بمشاهدته مشهده المنور، إذ فاتته مشاهدة طلعته البهية، وغرته الكريمة. وقد قال (ص)،: (من صلى علي مرة، صليت عليه عشرا). فهذا جزاؤه عليه في الصلاة عليه بلسانه، فكيف بالحضور لزيارته ببدنه؟
وإذا فرغت من زيارته،، فأت المنبر وامسحه بيدك، وخذ برمانتيه، وامسح بهما وجهك وعينيك، وتضرع إلى الله، وابتهل إليه، واسأل حاجتك. وتوهم صعود النبي (ص) المنبر، ومثل في قلبك طلعته البهية، قائما على المنبر، وقد أحدق به المسلمون من المهاجرين والأنصار، وهو يحمد الله بأفصح الكلمات واللغات، ويحث الناس على طاعة الله. واسأل الله ألا يفرق في القيامة بينه وبينك، ويجعلك في جواره، ويعطيك منزلا