من اليهود والنصارى والصابئين. وإذا تلوت (الفاتحة) كذلك، فيشبه أن تكون ممن قال الله فيهم بما أخبر عنه النبي (ص): (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، نصفها لي، ونصفها لعبدي. يقول العبد: الحمد لله رب العالمين، فيقول الله عز وجل -: حمدني عبدي وأثنى علي.
وهو معنى قوله: سمع الله لمن حمده...) إلى آخر الحديث. فإن لم يكن لك من صلاتك حظ سوى التذاذك بذكر الله في جلاله وعظمته، فناهيك به غنيمة، فكيف ما ترجوه من ثوابه وفضله. وكذلك ينبغي أن تفهم وتخرج الحقائق مما تقرأه من السورة، فلا تفعل عن أمره ونهيه، ووعده ووعيده، ومواعظه وأخبار أنبيائه، وذكر مننه وإحسانه، فكل واحد حق:
فحق الأمر والنهي العزم، وحق الوعد الرجاء، وحق الوعيد الخوف، وحق الموعظة الاتعاظ، وحق أخبار الأنبياء الاعتبار، وحق ذكر المنة الشكر، وتكون هذه المعاني بحسب درجات الفهم، ويكون الفهم على حسب العلم وصفاء القلب، ودرجات ذلك لا تنحصر. والصلاة مفتاح القلوب، فيها تنكشف أسرار الكلمات. فهذا حق القراءة، وهو أيضا حق الأذكار والتسبيحات. واعلم أن الناس في القراءة ثلاثة: بعضهم يتحرك لسانه وقلبه غافل. وبعضهم يتحرك لسانه وقلبه يتبع اللسان، فيسمع ويفهم منه كأنه يسمعه من غيره، وهو درجة أصحاب اليمين. وبعضهم يسبق قلبه إلى المعاني أولا، ثم يخدم اللسان قلبه ويترجمه، وفرق بين أن يكون اللسان ترجمان القلب أو يكون معلم القلب، والمقربون ألسنتهم ترجمان تتبع القلب. ثم ينبغي أن تراعي الهيئة في القراءة، فترتل، ولا تسرد ولا تعجل، فإن ذلك أيسر للتأمل، وتفرق بين نعمائه في آية الرحمة والعذاب والوعد والوعيد، والتمجيد والتعظيم، كان بعضهم إذا مر بمثل قوله:
(ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله) (31).
يغض صوته، كالمستحي عن أن يذكره بكل شئ وروي: (أنه يقال يوم القيامة لصاحب القرآن: اقرأ وأرق، فكلما قرأ آية صعد درجة).