من مناصب النبي والامام فاعلم أن الاذن عن الأئمة في القضاء لمن جامع شرايط الافتاء معلوم بحيث لا يعتريه ريب ويدل عليه مضافا إلى الأخبار الكثيرة المتقدمة إلى بعض منها الإشارة الاجماع بقسميه محققا منقولا فهذا مما لا اشكال فيه إنما الكلام فيما قد نقل عن بعض أفاضل المتأخرين ومال إليه بعض مشايخنا من جواز القضاء للمقلد فنقول ان الكلام في قضاء المقلد في ثلاث مقامات أحدها فيما لو استقل بالحكم والقضاء ثانيها فيما لو صار منصوبا من المجتهد وبعبارة أخرى في جواز نصب المجتهد كما ينصب الامام ثالثها فيما لو صار وكيلا عن المجتهد والفرق بين هذا المعنى وسابقه مما لا يكاد إن يخفى ثم إن كلامنا في تلك المقامات إنما هو في زمان غيبة الإمام (عليه السلام) وأما زمان حضوره فنصب القضاة منه وكلما فعله فهو حق لأنه معصوم عن الخطأ فلا ثمرة مهمه (1) لنا في البحث عنه.
أما المقام الأول فالحق فيه عدم الجواز لنا مضافا إلى الاجماع المدعى في كلام جماعة منهم ثاني الشهيدين في المسالك البالغ حد الاستفاضة المعتضد بالشهرة المحققة بل عدم الخلاف في المسألة الأصل وتقريره ان القضاء وهو الالزام بغير ما يقتضيه التكليف سلطنة على الملزم غير مجوزة إلا بدليل توضيح ذلك أن إلزام المكلف يكون تارة بما يقتضيه تكليفه كما في موارد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأخرى يكون بما لا يقتضيه تكليفه إن صار تكليفه بعد اثبات وجوب التزامه بالالزام المذكور.
أما الأول فلا إشكال في جوازه لكل من يتأتى عنه مجتهدا كان أو مقلدا وإن كان مقتضى الأصل الأولي عدم جوازه لكن قد دل العقل والنقل على حسنه كذلك وإن خالف فيه بعضه فذهب إلى اختصاصه بالامام وعدم جوازه لغيره حتى المجتهد لكنه موهون جدا حسبما قرر في محله فلا نزاع لنا فيه فما يظهر من بعض الاعلام من التمسك في المقام بما دل على جواز الالزام بالمعروف والحق لكل آحاد الأنام خروج عن محل الكلام.
وأما الثاني فلما لم يعتبر فيه جهة اقتضاء التكليف فيحتاج في الخروج عن مقتضى الأصل فيه إلى دليل غير ما دل على جواز الالزام بالمعروف.
فنقول ما يمكن أن يصير دليلا للخصم في المقام ومخرجا عن الأصل المزبور ليس إلا أحد أمور ثلاثة على سبيل منع (مانعة خ) الخلو أحدها الآيات الدالة على أصل تشريع الحكم وفصل الخصومة كقوله تعالى وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل الخ وقوله تعالى ومن لم يحكم بما أنزل الله (آه) وغيرهما فإنها باطلاقها شاملة للمجتهد والمقلد كليهما ثانيها ما دل بظاهره على انحصار رفع الخصومة والقضاء بين الناس إذا كانت الشبهة موضوعية بالبينة والايمان لأنه باطلاقه أيضا شامل للمجتهد والمقلد كليهما ثالثها ما دل على نصب القضاة عموما أو خصوصا أما الأمر الأول فالحق عدم دلالته على المطلب أصلا أما قولك انها بمقتضى الاطلاق شاملة للمجتهد والمقلد ففيه أولا انا نمنع من شمولها للمجتهد والمقلد وكونها مسوقة لبيان حال الحاكم من أنه أي صنف من الأصناف لما قد عرفت من أن جل تلك الآيات بل كلها مسوقة لبيان وجوب كون الحكم حقا لا لبيان أصل أصل وجوب الحكم فالاطلاق وارد لبيان حكم القيد أي وجوب كون الحكم حقا وعدلا وبما أنزل الله لا لبيان حكم القيد وقد تقرر في محله ان الشرط في التمسك بالاطلاق عدم وروده لبيان حكم آخر وكون المتكلم في مقام البيان فافهم وثانيا نسلم كون الآيات دالة على جواز الحكم بالحق لكل من عرف الحق من المجتهد والمقلد لكن نقول المراد