القدرة والافضال أسال الله الرضا بقضائه والعمل بطاعته والإنابة إلى امره فإنه سميع الدعاء قال نصر: ثم خرج حتى نزل على شاطئ البرس (1) فصلى بالناس المغرب فلما انصرف قال: الحمد لله الذي يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل الحمد لله كلما وقب ليل وغسق والحمد لله كلما لاح نجم وخفق.
ثم أقام حتى صلى الغداة ثم شخص حتى بلغ قبة قبين (2) وبها نخل طوال إلى جانب البيعة فلما رآها قال والنخل باسقات لها طلع نضيد ثم أقحم دابته النهر فنزلها فمكث بها قدر الغداء وسار فلما جاز جسر الصراة (3) نزل فصلى بالناس العصر. ثم خرج حتى اتى دير كعب ولم أجده في مظانه فلست أدري أين هو قال ثم مضى نحو ساباط (4) فاتاه دهاقينها يعرضون عليه النزول والطعام فقال لا ليس ذلك لنا عليكم وبات بساباط فلما أصبح وهو بمظلم ساباط (5) قال أ تبنون بكل ربع آية تعبثون. فلما انتهى إلى مدينة بهرسير (6) إذا رجل من أصحابه يقال له حريز بن سهم ينظر إلى آثار كسرى وهو يتمثل قول ابن يعقوب التميمي:
- جرت الرياح على مكان ديارهم * فكانما كانوا على ميعاد - فقال علي أ فلا قلت: كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين. إن هؤلاء كانوا وارثين فأصبحوا موروثين إن هؤلاء لم يشكروا النعمة فسلبوا دنياهم بالمعصية إياكم وكفر النعم لا تحل بكم النقم ثم قال أنزلوا بهذه النجوة. وبعث أمير المؤمنين ع معقل بن قيس من المدائن في ثلاثة آلاف وقال له خذ على الموصل ثم نصيبين ثم القني بالرقة فاني موافيها وسكن الناس وأمنهم ولا تقاتل إلا من قاتلك وسر البردين وغور بالناس وأقم الليل ورفه في السير ولا تسر أول الليل فان الله جعله سكنا أرح فيه بدنك وجندك وظهرك فإذا كان السحر أو حين ينبطح الفجر فسر، فخرج حتى اتى الحديثة وهي إذا ذاك منزل الناس انما بنى مدينة الموصل بعد ذلك محمد بن مروان فإذا هم بكبشين ينتطحان ومع معقل بن قيس رجل من خثعم يقال له شداد بن أبي ربيعة قتل بعد ذلك مع الحرورية فاخذ يقول ايه ايه فجاء رجلان فاخذ كل منهما كبشا فقال الخثعمي لمعقل لا تغلبون ولا تغلبون أ ما ترى الكبشين أحدهما مشرق والآخر مغرب اقتتلا ولم ينتصف واحد منهما من صاحبه حتى فرق بينهما. ثم مضوا حتى أتوا عليا بالرقة وأمر علي الحارث الأعور فصاح في أهل المدائن من كان من المقاتلة فليواف أمير المؤمنين صلاة العصر فوافوه في تلك الساعة فقال قد تعجبت من تخلفكم دعوتكم وانقطاعكم عن أهل مصركم في هذه المساكن الظالم أهلها والهالك أكثر سكانها لا معروفا تأمرون به ولا منكرا تنهون عنه قالوا يا أمير المؤمنين انا كنا ننتظر امرك ورأيك مرنا بما أحببت فسار وخلف عليهم عدي بن حاتم فأقام عليها ثلاثا ثم خرج في ثمانمائة وخلف ابنه زيدا فلحقه في أربعمائة منهم ثم لحقا عليا ع. وجاء علي حتى مر بالأنبار وهي بلدة قرب الفلوجة وهي الآن خراب كان كسرى يجعلها أنبارا للحبوب فاستقبله بنو خشنوشك (7) دهاقينها فلما رأوه نزلوا ثم جاءوا يشتدون معه قال ما هذه الدواب التي معكم وما أردتم بهذا الذي صنعتم قالوا اما هذا الذي صنعنا فهو خلق منا نعظم به الأمراء واما هذه البراذين فهدية لك وقد صنعنا لك وللمسلمين طعاما وهيانا لدوابكم علفا كثيرا قال اما هذا الذي زعمتم أنه منكم خلق تعظمون به الأمراء فوالله ما ينفع هذا الأمراء وانكم لتشقون به على أنفسكم وأبدانكم فلا تعودوا له واما دوابكم هذه فان أحببتم أن نأخذها منكم فنحسبها من خراجكم اخذناها منكم واما طعامكم الذي صنعتم لنا فانا نكره أن نأكل من أموالكم شيئا إلا بثمن قالوا يا أمير المؤمنين نحن نقومه ثم نقبل ثمنه قال إذا لا تقومونه قيمته نحن نكتفي بما هو دونه قالوا يا أمير المؤمنين فان لنا من العرب موالي ومعارف فتمنعنا أن نهدي لهم وتمنعهم أن يقبلوا منا قال ليس ينبغي لأحد من المسلمين أن يقبل هديتكم وإن غصبكم أحد فاعلمونا قالوا يا أمير المؤمنين انا نحب أن تقبل هديتنا وكرامتنا قال ويحكم نحن أغنى منكم فتركهم. ثم مضى أمير المؤمنين ع حتى نزل بأرض الجزيرة فاستقبله بنو تغلب والنمر بن قاسط بالجزيرة فقال ليزيد بن قيس الأرحبي يا يزيد قال لبيك يا أمير المؤمنين قال هؤلاء قومك من طعامهم فأطعم ومن شرابهم فاشرب وصالح وفد بني تغلب على أن يقرهم على دينهم ولا يصبغوا أبناءهم في النصرانية، ثم سار حتى بلغ قرية دون قرقيسيا فوافاه بها زياد بن النضر وشريح بن هاني الذين كان قد وجههما في اثني عشر ألفا مقدمة له فأخذا على شاطئ الفرات من قبل البر مما يلي الكوفة حتى بلغا عانات فبلغهم اخذ علي على طريق الجزيرة وبلغهم أن معاوية أقبل في جنود الشام من دمشق لاستقبال علي فقالا والله ما هذا لنا برأي أن نسير وبيننا وبين أمير المؤمنين هذا البحر ما لنا خير أن نلقي جموع أهل الشام بقلة من عددنا منقطعين من العدد والمدد فذهبوا ليعبروا من عانات فمنعهم أهلها وحبسوا عنهم السفن فأرادوا قتالهم فتحصنوا فرجعوا إلى هيت فعبروا منها ولحقا عليا بتلك القرية فقال ع مقدمتي تأتي ورائي فتقدم إليه شريح وزياد فأخبراه بالذي رأيا فقال قد أصبتما رشدكما ثم سار حتى اتى الرقة وجل أهلها العثمانية الذين فروا من الكوفة برأيهم وأهوائهم إلى معاوية فغلقوا أبوابها وتحصنوا فيها وأميرهم سماك بن مخرمة الأسدي في طاعة معاوية وكان قد فارق عليا في نحو مائة رجل من بني أسد ثم اخذ يكاتب قومه حتى لحق به منهم سبعمائة رجل. ووافاه بالرقة معقل بن قيس الذي كان أرسله علي من المدائن في ثلاثة آلاف وقال لأهل الرقة اجسروا لي جسرا لكي أعبر من هذا المكان إلى الشام فأبوا وقد كانوا ضموا السفن عندهم فنهض من عندهم ليعبر على جسر منبج وخلف عليهم الأشتر فناداهم اني أقسم بالله لئن مضى أمير المؤمنين ولم تجسروا له عند مدينتكم حتى يعبر منها لأجردن فيكم السيف ولأقتلن مقاتلتكم ولأخربن أرضكم ولآخذن أموالكم فلقي بعضهم بعضا فقالوا إن الأشتر يفي بما يقول وإن عليا خلفه علينا ليأتينا منه الشر فبعثوا إليه انا ناصبون لكم جسرا فاقبلوا فأرسل الأشتر إلى علي فجاء ونصبوا له الجسر فعبر علي الأثقال والرحال ثم أمر الأشتر فوقف