إليكم، توبيخ لهم وتقريع على عدم سماعهم عهد النبي إليهم وهو في آخر حياته الذي يدل على أنه عهد في شئ عظيم. وما تضمنته الرواية العاشرة من قول عمر ولو مات لانتظرناه كما انتظرت بنو إسرائيل موسى هو قول بالرجعة.
الوصايا الثلاث التي نسيت إحداهن الحادية عشرة من الروايات الواردة في طلب الدواة والكتف ما رواه البخاري في صحيحه في باب مرض النبي ص (1) قال: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان بن عيينة عن سليمان الأحول عن سعيد بن جبير قال قال ابن عباس يوم الخميس وما يوم الخميس اشتد برسول الله ص وجعه فقال ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا ما شانه أ هجر؟ استفهموه فذهبوا يردون عليه فقال دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه وأوصاهم بثلاث قال اخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم وسكت عن الثالثة أو قال فنسيتها.
الثانية عشرة ما رواه الطبري في تاريخه بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله إلا أنه قال لا تضلوا بعدي أبدا وقال ولا ينبغي عند نبي ان يتنازع وقال فذهبوا يعيدون عليه، وقال وسكت عن الثالثة عمدا أو قال فنسيها ورواه الطبري بطريق آخر مثله غير أنه قال ولا ينبغي عند نبي أن ينازع.
الثالثة عشرة ما رواه ابن سعد في الطبقات بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله إلا أنه قال ائتوني بدواة وصحيفة وقال فذهبوا يعيدون عليه وقال فسكت عن الثالثة فلا أدري قالها فنسيتها أو سكت عنها عمدا اه.
قال القسطلاني في ارشاد الساري (2) في شرح الرواية الحادية عشرة فتنازعوا فقال بعضهم نكتب لما فيه من امتثال الأمر وزيادة الايضاح وقال عمر حسبنا كتاب الله فالأمر ليس للوجوب بل للارشاد إلى الأصلح.
وأقول: اما أن الأمر ليس للوجوب فقد علم فساده مما مر في الأمر الثاني عشر في الرد على تفسيره الرواية الأولى وانه لا يمكن ان يكون شئ أوجب من كتاب يحفظ الأمة من الضلال إلى آخر الدهر وهبه للارشاد فهل هو إرشاد إلى شئ تافه لا يؤبه له أنى والنبي ص يصرح بأنه يحفظ الأمة من الضلال بعده إلى آخر الدهر قال: ولا يبتغي عند نبي تنازع: قيل هذا مدرج من قول ابن عباس ويرده قوله ع في كتاب العلم في باب كتابه العلم ولا ينبغي عندي التنازع اه.
وأقول إذا قال النبي في موضع لا ينبغي عندي التنازع لا يمنع أن يقول مثله ابن عباس في موضع آخر ويمكن ان يكون سمع مضمونه منه فقاله وكيف كان فهو يدل على أنهم أخطأوا وأساؤوا الأدب بتنازعهم عنده.
قال فقالوا ما شانه أ هجر الهجر بالضم الهذيان الذي يقع من كلام المريض الذي لا ينتظم وانما قال ذلك من قاله منكرا على من توقف في امتثال امره باحضار الكتف والدواة فكانه قال كيف نتوقف أ تظن انه كغيره يقول الهذيان في مرضه امتثل امره فإنه لا يقول الا الحق استفهموه بصيغة الأمر فذهبوا يردون عليه اي يعيدون عليه مقالته ويستثبتونه فيها اه.
وأقول: هذا التأويل الذي ذكره من حمل قولهم: أ هجر؟ على الاستنكار مع بعده عن سوق الكلام يرده صريحا ما في الروايات الأخرى المتقدمة ففي الرواية الرابعة: ان نبي الله ليهجر وفي السادسة انما يهجر رسول الله وفي السابعة فقالوا ان رسول الله يهجر فهذه كلها صريحة في أنهم أسندوا الهجر إليه فكذلك في هذه الرواية لأن الروايات يفسر بعضها بعضا وكذلك قول بعضهم قد غلب عليه الوجع أو عليه الوجع لا يراد به الا الهجر كما مر وكذلك قولهم استفهموه وقوله فذهبوا يردون عليه دال على أن قولهم أ هجر كان للاستفهام المحض لا للانكار على من توقف في امتثال امره فبعد ما قالوا استفهموه لتعلموا هل كان كلامه هجر أو عن روية وادراك قال فقال دعوني فالذي أنا فيه من المشاهدة والتأهب للقاء الله عز وجل خير مما تدعوني إليه من شأن كتابة الكتاب اه.
وأقول قوله دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني معناه والله العالم انه خير مما تدعوني إليه من الاستفهام عن إن قولي هجر أو حقيقة فان محاورتي في ذلك لا تفيد شيئا بعد ان قلتم ما قلتم ولا فائدة في كتابة الكتاب ولكنني أوصيكم مشافهة بثلاث: حفظ منهن اثنتين ونسيت الثالثة ولعلها أهمهن والله أعلم لم نسيت أو تنوسيت. أما ما فسر به القسطلاني من أن ما أنا فيه خير مما تدعوني إليه من شأن كتابة الكتاب فلا يكاد يصح فإنه لو صح لكان يعلم من أول الأمر ان ما هو فيه خير من شأن كتابة الكتاب فلما ذا دعا بالدواة والكتف ليكتبه لهم وترك ما هو أقل خيرا منه، هذا ما لا يفعله حكيم وقال: وسكت عن الثالثة أو قال فنسيتها قيل الساكت هو ابن عباس والناسي سعيد بن جبير، لكن في مستخرج أبي نعيم قال سفيان قال سليمان بن أبي مسلم لا أدري أ ذكر سعيد بن جبير الثالثة فنسيتها أو سكت عنها فهو الراجع اه أقول لا ينبغي التأمل في أن المسند إليه السكوت أو النسيان هو ابن عباس لأن جميع ما يذكر في الرواية يسند إلى آخر رجل يذكر في السند وحينئذ فالمراد ان ابن عباس سكت عن الثالثة أو أنه قال فنسيتها فابن جبير متردد في أن ابن عباس ترك الثالثة فلم يذكرها أو أنه قال نسيتها ويوضح ذلك ما في رواية الطبري وسكت عن الثالثة عمدا أو قال فنسيتها فإنه ظاهر في أن ابن جبير شاك في أن ابن عباس ترك الثالثة عن عمد أو قال فنسيتها فيكون تركها لنسيانه إياها وحينئذ فيغلب على الظن ان الصواب في رواية الطبقات فلا أدري قال فنسيتها أو سكت عنها عمدا وابدال قال بقالها من النساخ وما في مستخرج أبي نعيم لعله اجتهاده وكيف كان فسكوت ابن عباس عن الثالثة عمدا يستلفت النظر. وكيف يسكت ابن عباس عمدا عن وصية اوصى بها النبي ص في آخر ساعة من حياته ويكتمها وهو يعلم ما في كتمان العلم من اثم وعقاب. هذا ما لا يذعن به عاقل فلا بد ان يكون تركه لها عمدا لعذر معقول وليس إلا الخوف فان ما عداه لا يصلح عذرا فإذا كان داعية لتركها الخوف فلا بد أن تكون تأكيدا لما جرى يوم الغدير فإنه لا شئ يخاف منه غير ذلك وإن كان ابن عباس قال إنه نسيها فمما لا يقبله العقل أيضا فابن عباس في حفظه الشهير وعلمه الغزير لم يكن لينسى وصية للنبي ص في آخر ساعة من حياته هي بضع كلمات ولا ليتهاون بها ومن يحفظ ثمانين بيتا في الغزل لابن أبي ربيعة ثم يعيدها طردا وعكسا ويقول عن نفسه ما سمعت