بسم الله الرحمن الرحيم انك لو قمت بعملية مسح اجمالية لتاريخ الحضارات البشرية، لبرزت أمام ناظريك فيه واحات غناء، تتمثل أكثر ما تتمثل في أشخاص ذوي نبوغ وشموخ، ومما لا شك فيه، أنه بمقدار ما يكون لظاهرة النبوغ من شمول واستيعاب بمقدار ما تبقى البنية الاجتماعية التي أفرزته منتصبة على قمة التاريخ نبراسا ينير للبشرية طريقها على امتداد تاريخها الطويل.
وإذا كان المؤرخون للحضارة الانسانية يكتفون في تمجيد أمة من الأمم من خلال عثورهم على رقم واحد أو أرقام قليلة جلت في حقبة وجودها الزمني في حقل ما من الحقول، فإنك عندما تتصفح تاريخ جبل عامل تجده طافحا بعبقريات متنوعة متكاملة ترفد الحضارة البشرية بمختلف جوانب العظمة والمجد. حتى لتقطع بأن القاعدة في هذا الجبل الشامخ هي العطاء والنبوغ إن في تراثه أو تاريخه أو شعبه أو ترابه.
نعم، ليس من العجيب أن تكتشف في تجوالك جبلا من ياقوت أو ذهب تكون نتيجة عوامل طبيعية، وإنما العجيب أن تكتشف جبلا دفاقا بأندر أنواع اللآلئ، الحضارية، منها ما يتحدر من سلالة أقدم الحضارات في الدنيا ومنها - وهو الأهم الأبقى - ما حدث نتيجة صقل الاسلام لها وطبعها بطابعه القويم.
والعلامة الإمام السيد محسن الأمين هو رقم بارز من أرقام المجد على مفرق التاريخ الحضاري لجبل عامل. إذ لا تكاد تنظر إلى آثار هذا الرجل الجهبذ، حتى تجد نفسك أمام موسوعة حضارية وفكرية تستوعب كل الجوانب التي تهم الباحث والمؤرخ والفقيه والفيلسوف والمتكلم والجغرافي الخ.
وكتابه " أعيان الشيعة " مثل حي على ذلك.
فأعيان الشيعة، لم يؤرخ لأعيان طائفة إسلامية بعينها أكثر من كونه دائرة معارف كبرى للتاريخ الاسلامي تستغرق مئات الشخصيات على امتداد مئات من السنين.
إن إحاطة شخص واحد، بهذه الدائرة الضخمة من الأشخاص والأحداث دليل ساطع على ما يتمتع به هذا الامام المحقق من سعة أفق وسداد بصيرة وليس هذا فقط، وإنما هو دليل قاطع على ما تميز به من صبر وجلد يؤتيهما الله سبحانه المخلصين من عباده الصالحين. إضافة إلى ما يعطيك أسلوبه وطريقته في التدوين من مؤشرات على موضوعية فرضتها عليه مناقبيته الاسلامية وخلقه الإلهي وهو بذلك يسجل لنا خطا واضحا يتبين من خلال لحوبه كم عصفت بضمائر الذين تصدوا في عصور الظلم والإنحراف وبتوجيه من الظالمين أنفسهم لكتابة فترات من تاريخ الاشخاص والأحداث من نزعات ماكرة حاقدة مسخت وزورت ما تسنى لها التزوير والمسخ.