طينتهما، وسوء سريرتهما، وشقاوتهما الذاتية، ليس كذلك مطلقا، بل قلما يتفق أن يكون صدور العصيان والتجري على المولى، ناشئين عن سوء السريرة مع المولى، ولو فرض كون العبد مع مولاه كذلك، لكشف ذلك عن كفره وعناده مع مولاه.
لكن الأمر ليس كذلك نوعا؛ فإنه كثيرا ما يكون العاصي أو المتجري حسن السريرة معه، خاضعا لربوبيته، مائلا لطاعته، محبا له، لكن غلبته الشهوات والميول الباطنية، وأعانت عليه الوساوس الشيطانية، فإذا ارتكب المعصية ندم على ما فعل غاية الندامة، وذم نفسه، ورجع إلى ربه. ومثله تكون سريرته حسنة، وطينته طيبة، وليس من الأشقياء، بل ربما يكون من السعداء، فلا يصح أن يقال عمن عصى واجترأ على مولاه: " إنه سيء السريرة، خبيث الطينة... " إلى غير ذلك.
والتحقيق أن يقال: إن الذم لا يكون على سوء السريرة وخبث الطينة كما ذكره، ولا على العزم والجزم على المعصية، وكونه بصدد هتك المولى، مع كون الفعل المتجرى به على ما هو عليه كما عليه المحقق الخراساني (1).
بل لأن المتجري والعاصي، إنما يكونان متوافقين في أن مبدأ المخالفة للمولى كان فيهما بالقوة، فصار فعليا بحركتهما الاختيارية، فالمتجري خرج من قوة مخالفة المولى إلى فعليتها بذلك الفعل الاختياري كالعاصي، وإنما الفرق بينهما أن العاصي وقع في مفسدة الفعل بما أنه فعل ذو مفسدة، دون المتجري (137).