الذي يكون بحسب طبعه آلة للتوجه إلى الغير لغرض الإفهام، إذا توجه بها إلى ما ليس له شعور وإدراك، لغرض آخر غير الإفهام - كالتحسر في قوله: " يا كوكبا ما كان أقصر عمره... " - لا تكون ألفاظه مستعملة في غير معانيها اللغوية، فحرف النداء في المثال وكذا سائر ألفاظه استعملت في معانيها الموضوعة لها، لكن وقع هنا انحراف وتجوز في التكلم الذي هو من الأفعال الاختيارية، لا من الألفاظ الموضوعة للمعاني، فالمجاز عقلائي لإيجاد ما يكون إيجاده طبعا لغرض الإفهام؛ لا لهذا الغرض، بل لمقاصد اخر.
وإنما قلنا: إنه مجاز وانحراف، لأن العقلاء يحملون إيجاد هذا الفعل الاختياري على طبق طبعه لو خلي ونفسه، فلو قال المولى لعبده: " أكرم زيدا "، ليس له أن يعتذر عن تركه؛ باحتمال صدور الكلام منه لغرض آخر غير الإفهام، من الامور المترتبة على هذا الفعل الاختياري، فإنه لا يصار إليه إلا مع نصب قرينة، ومع عدمها يحمل التكلم على ما هو طبعه.
واتضح مما ذكرنا: أن ما أفاده المحقق الخراساني - من أن الخطاب موضوع للإيقاعي والإنشائي، ولكنه منصرف إلى الحقيقي (1) - ليس على ما ينبغي؛ لما عرفت من أن الخطاب لم يكن من الألفاظ الموضوعة؛ حتى يقال: إنه موضوع لمعنى كلي، ومنصرف إلى أحد أفراده أو أقسامه، بل هو فعل اختياري كسائر الأفعال الاختيارية، كما أن الأمر في الطلب وأمثاله ليس على ما أفاده، بل كما ذكرنا على ما مر تفصيله.
هذا مضافا إلى أن الخطابات الإلهية في الكتاب العزيز، ليست صادرة لغير غرض الإفهام، كالتأسف والتحزن والتحسر وأمثالها بالضرورة.
مع أن نسبة الخطابات الإلهية إلى المعدومين والموجودين - في زمن