والظاهر أن مثل أدوات النداء لم يكن موضوعا للخطاب الحقيقي، بل هو موضوع للإيقاعي الإنشائي منه، فالمتكلم ربما يوقع الخطاب بها تحسرا أو تأسفا أو حزنا، كقوله: يا كوكبا ما كان أقصر عمره (1). فلا يوجب استعماله في معناه الحقيقي حينئذ التخصيص بمن يصح مخاطبته.
نعم، لا يبعد دعوى الانصراف إلى الخطاب الحقيقي، كما هو الحال في أداة الاستفهام والتمني والترجي (2). انتهى موضع الحاجة.
أقول: حقيقة الخطاب عبارة عن توجيه كلام إنشائي أو إخباري إلى شخص لغرض إفهامه، ولا يتقوم تحصل الخطاب بتضمن الكلام لأداة الخطاب، كالكاف وحروف النداء وأمثالها، فلو ألقى متكلم كلاما إخباريا إلى شخص، فقال - متوجها إليه ولغرض إفهامه -: " زيد قائم "، يكون الكلام خطابا بالحمل الشائع، والسامع مخاطبا كذلك؛ من غير احتياج إلى أداة الخطاب. نعم، مع اشتمال الكلام عليها يكون آكد فيه من عدمه.
فالخطاب عبارة عن توجيه الكلام إلى الغير لغرض إفهامه وإعلامه؛ [ليصل] المتكلم - بواسطة فهم المخاطب - إلى ما هو مقصده الأعلى.
وليس هذا المعنى من المعاني التي يقع بإزائها لفظ، كسائر الألفاظ الموضوعة للمعاني، بل التكلم بما هو فعل من الأفعال الاختيارية للمتكلم، يكون بحسب طبعه عند العقلاء آلة للتوسل بها إلى التخاطب؛ بحيث لو سلب عنها ذلك، ويتوسل بها إلى غيره من المقاصد - كإظهار التأثر والتأسف أو الإشفاق والشوق - يكون مجازا عقلائيا، لا لفظيا لغويا؛ بمعنى أن هذا الفعل الاختياري