وفيه: أن أصالة تطابق الإرادتين محكمة عند العقلاء حتى يعرف خلافها.
والتحقيق في بيان مرامه في الإرادة الجدية والاستعمالية، يتوقف على تحقيق باب الحقائق والمجازات، وإن مر سابقا (1).
فنقول: إن استعمال اللفظ في المعنى عبارة عن طلب عمل اللفظ فيه؛ أي جعل اللفظ بإزائه، وإحضاره في ذهن المخاطب بواسطته، فحينئذ قد يستعمل اللفظ في المعنى، ويريد المتكلم أن يثبت المعنى في ذهن المخاطب، ويكون غرضه إفهام المعنى الموضوع له وإثبات حكم له، فيقال له: الحقيقة، من " حق الشيء "؛ أي ثبت (2)، والحقيقة هي الثابت، وهي صفة المعنى حقيقة، واللفظ يتبعه. وقد يستعمل فيه، ويريد المتكلم أن لا يثبت المعنى الموضوع له في ذهنه، بل ينتقل منه إلى معنى آخر، فيكون اللفظ مستعملا في المعنى الموضوع له، والمعنى الموضوع له مستعملا في المعنى الآخر.
ومعنى استعمال المعنى الموضوع له في غيره؛ هو طلب عمله فيه - أي إحضاره في الذهن بواسطته، بادعاء اتحاده معه - كأن يقال: " جاء حاتم " إذا جاء شخص سخي، فاستعمل لفظ " حاتم " في الشخص المعروف من بني طي، واريد الانتقال منه إلى الجائي؛ بدعوى اتحاده معه، ويقال لهذا الاستعمال استعمالا مجازيا، وللمعنى مجازا، من " جاز الشيء "؛ أي عبره (3)؛ لكون المعنى الموضوع له محل عبور الذهن وانتقاله إلى المعنى الغير الموضوع له، فاللفظ مطلقا لا يستعمل إلا في الموضوع له.