والفرق بين الحقيقة والمجاز: أن الاستعمال في الأول لإحضار المعنى في الذهن وإثباته فيه، وفي الثاني لإحضاره فيه؛ لكونه عبرة إلى الآخر؛ بدعوى اتحاده معه، ولولا ذلك لما كان مصحح للاستعمال؛ فإن مصححه هو الوضع، ولما استحسنت الاستعمالات المجازية.
ألا ترى: أنه إذا جاء شخص موصوف بكمال البخل والضنة، فقيل:
" جاء حاتم " يكون استعمالا [هزيلا] ومضحكا للحضار، ولولا استعمال اللفظ في معناه الحقيقي، واستعمال المعنى في المعنى بدعوى الاتحاد والعينية، لما صار [هزيلا] ومضحكا.
والشاهد عليه: أيضا - بعد شهادة الوجدان السليم - أنه قد يكون عدة ألفاظ لها معان خاصة، لايراد من واحد منها المعنى المجازي، بل من مجموعها، ولا يمكن أن يقال: إن المجموع مستعمل فيه، مثل قوله تعالى: (ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا...) (1) حكاية عن قوم موسى وندامتهم على عبادة العجل، فعبر تعالى عن وحشتهم وندامتهم بقوله: (سقط في أيديهم)، مدعيا اتحادهم مع من سقط في يده شيء فجأة، فأخذته الوحشة، ومعلوم أن كل واحد من ألفاظ الجملة لم يستعمل إلا في معناه، واريد إحضار معنى الجملة في الذهن؛ عبرة إلى المعنى المجازي المقصود.
وبالجملة: لا إشكال في أن حال المجازات والحقائق ما ذكرنا: من أن استعمال الألفاظ إنما هو في المعاني الموضوعة لها في الجميع، فيصح أن يقال:
إن المعاني الحقيقية تكون مرادة استعمالا وجدا في الاستعمالات الحقيقية، وتكون مرادة استعمالا - لا جدا - في الاستعمالات المجازية، والمعاني المجازية تكون مرادة جدا - لا استعمالا - أي لا تكون الألفاظ مستعملة فيها ابتداء