أنه فعل من أفعاله الاختيارية - الحمل على أنه صدر لأجل فائدة وغرض، ولم يصدر منه لغوا باطلا، وهذا الأصل ليس مختصا بالكلام، بل هو جار في كل فعل من أفعاله الاختيارية، فإذا شككنا في أن تكلمه الكذائي صدر منه لغوا، أو لأجل غاية وغرض، حمل على كونه ذا غاية وغرض، ثم لو شككنا في أن غرضه فيه هل هو التفهيم أم شيء آخر غيره من الأغراض؟ يحمل على الأول؛ وذلك أيضا لأصل عقلائي؛ فإن الكلام آلة للتفهيم، فاستعماله لأجل غايات نادرة خلاف الأصل العقلائي.
ثم لو شككنا في أن غرضه هو تفهيم المعنى الحقيقي أو غيره، يحمل على الأول؛ لأصالة الحقيقة التي هي أصل عقلائي آخر، ولا تصل النوبة إلى أصالة الحقيقة إلا بعد الأصلين السابقين.
ثم اعلم: أنه كما في أصل صدور الكلام يجري الاصول العقلائية، كذلك في الخصوصيات الزائدة فيه، فإذا شككنا في قيد في كلامه أنه أتى به لغوا أو لغرض، يحمل على الثاني. ولو شككنا في أنه للتفهيم أولا، يحمل على الأول.
فالبناء العقلائي في القيود الزائدة في الكلام على الحمل على غرض التفهيم، وما تكون القيود آلة لتفهيمه هو دخالتها في الموضوع، إن كان الموضوع مقيدا بها مثلا، وهذا ليس من قبيل دلالة اللفظ على المعنى الذي وضع له، أو على جزئه أو خارجه، بل هو خارج عنها، وإنما هو من قبيل دلالة الفعل الاختياري - الصادر من الإنسان - على شيء بحسب الأصل العقلائي، لا الوضع؛ لكون المتكلم ممن صدر منه الكلام لأجل غرض، لا لمحض اللغوية، وليس من الدلالات الثلاث. وكذا دلالة الكلام على كونه بصدد التفهيم ليست منها.
فدلالة القيد على دخالته في الموضوع أو الحكم بالأصل العقلائي لا بها، فأداة الشرط والأوصاف المعتمدة على موصوفها، لا تكون دلالتها على دخالتها في الموضوع أو الحكم بالوضع؛ حتى تكون من سنخ الدلالات، بل بالأصل العقلائي بما هي أفعال اختيارية، وبما هي ألفاظ وآلات للتفهيم.