وأما الثانية: فلأن المأمور - بإتيان المكلف به في كليهما جميع المكلفين، لا مجموعهم؛ لعدم وجود المجموع بما هو مجموع وجودا قابلا لتعلق البعث به، وإنما هو أمر انتزاعي، ولا واحد منهم لا بعينه أو على نحو الترديد (60)؛ لعدم تعقل تعلق البعث بالواحد لا بعينه، ولا بنحو الترديد الواقعي بين المكلفين، وعدم باعثية الأمر بنحو ما ذكر، مع أن الغرض من الأمر هو البعث والإغراء، بل المأمور والمكلف هو جميعهم على نحو الاستغراق.
ولا فرق من هذه الجهة بينه وبين الواجب العيني، وإنما الافتراق بينهما في الإضافة الثالثة؛ فإن المكلف به في الواجب الكفائي هو أصل الطبيعة بلا تقيدها بشيء، فكل واحد من المكلفين مأمور بإتيان أصل الطبيعة الغير المقيدة. وأما في الواجب العيني فكل واحد منهم مأمور بإتيان الطبيعة المقيدة بكون تحققها بمباشرته خاصة.
فغرض المولى في الواجب الكفائي إنما تعلق بحصول الطبيعة من كل واحد منهم، ولازمه أن يحصل الغرض بإتيان واحد منهم؛ لأن الطبيعة الغير المقيدة لا تكرار فيها، والفرض أن تمام الغرض قائم بها، فسقوط الأمر عن سائر