والأولى أن يقال: إن ما يتوقف عليه الشيء إما أن يكون ما منه الوجود، وهو الذي يكون المعلول أثره ومقتضاه، وهو السبب والمقتضي؛ أو لا يكون منه الوجود، بل يكون به الوجود. وهو إما يكون بوجوده دخيلا في تحقق المعلول، أو بعدمه، أو بوجوده وعدمه، فالأول الشرط، والثاني المانع، والثالث المعد.
ولا يخفى: أن المقصود من كون العدم دخيلا، هو مضادة وجود المانع وممانعته للوجود، ولما كان كذلك يقال: إن عدمه دخيل، وإلا فليس العدم دخيلا حقيقة في شيء. كما أن المراد من كون العدم والوجود دخيلين في المعد - مثل الأقدام لتحقق الكون على السطح؛ فإنها بوجودها وعدمها تكون معدة - هو أن الحركة بوجودها الاستمراري معدة، لا أن العدم دخيل. وفي الحقيقة: أن الشرط إن كان من قبيل الحركة يقال له: المعد. ويمكن إرجاع غير السبب إلى الشرط، والأمر سهل.
ثم إنه قد وقع بينهم نزاع في السبب والمسبب في الأفعال التوليدية - مثل حركة اليد والمفتاح وفتح الباب - غير نزاع وجوب المقدمة، وهو أن الأمر المتعلق بالمسبب بحسب ظاهر الدليل هل هو أمر بسببه لبا وحقيقة، أم لا، أو يفصل بين الأسباب التي تكون آلة لإيصال قوة الفاعل إلى المسبب، كحركة اليد والمفتاح، وبين غيرها، كالإحراق والإلقاء في المسبعة (1)؟
وتحقيق الحال يحتاج إلى مقدمة: هي أنه لا إشكال في أن الإرادة سبب لوجود المسبب التوليدي، لكن السبب الذي هو محل الكلام هو الفعل الصادر من الإرادة لانفسها، فإذا صدرت حركة اليد من إرادة الفاعل، وترتبت عليها حركة المفتاح، وترتب عليها فتح الباب، تحققت امور ثلاثة: