الواقع، والمجهول لدى المكلف، مرفوع تعبدا وفي عالم التشريع.
وقس على ذلك موارد الأمارات وسائر الاصول؛ فإن ظاهرها كون الحكم الواقعي مطلقا لمورد الشك، ولا يمكن تقييد الأدلة الواقعية بالأدلة الظاهرية؛ فإن المقيد والمطلق لابد وأن يردا على موضوع واحد، فإنهما من أقسام التعارض وإن كان أحدهما مقدما - بحسب الظهور - على الآخر؛ لأن دليل المطلق ظاهر في كونه تمام الموضوع للحكم، ودليل المقيد ظاهر في دخالة القيد فيتعارضان، لكن ظهور المقيد في دخالة القيد أقوى من ظهور المطلق في تمامية الموضوعية، فيقدم عليه.
وبالجملة: إن المطلق والمقيد لابد وأن يردا على موضوع واحد حتى يتحقق التعارض، ولما كانت أدلة الأحكام الظاهرية في طول الأحكام الواقعية، ومتأخرة عنها برتبتين - لأن الشك فيها مأخوذ في موضوعها - فلا يمكن تقييدها بها؛ لعدم ورودهما على موضوع واحد، ولا يمكن تجافي أحدهما عن موطنه.
قلت: لا محيص عما ذكرت؛ فإنه حق لا مرية فيه، إلا أنه مع ذلك يكون بين الأدلة الواقعية والظاهرية تناف وتعارض لابد من رفعه؛ فإن الزجر الفعلي عن شرب الخمر مثلا حتى في زمان الشك، مع الترخيص الفعلي بشربه، متنافيان، وكذلك الأمر الفعلي بإتيان الجزء والشرط مع الترخيص الفعلي لدى الشك متنافيان، ولا مناص إلا بالالتزام بكون الأحكام الواقعية إنشائية؛ بمعنى أن الحكم المنشأ يكون مطلقا شاملا لحال العلم والجهل، لئلا يلزم الدور المستحيل.
ولكن فعلية الحكم تكون مختصة بحال العلم؛ جمعا بين الأدلة الواقعية والظاهرية، ولا يمكن الالتزام بفعلية الأحكام الواقعية (23).