" أيها المؤمنون " ويكون متعلق الحكم نفس العنوان بلا تقيد بحال العلم والجهل، وهذا لا إشكال فيه.
كما أنه لا إشكال في أن الأوامر والنواهي الصادرة من كل متكلم آمر، إنما تصدر لغرض انبعاث المكلف نحو العمل، والانبعاث بها نحوه لا يمكن إلا بعد العلم بالأوامر والنواهي؛ لأن العلم بها في سلسلة علل الانبعاث، فإذا علم المكلف أوامر المولى؛ وأن موافقتها موجبة لآثار وخواص مطلوبة، ومخالفتها مورثة لنكال وعقوبة، يشتاق إلى موافقتها، ويشتد الشوق إليها، ويتحقق الجزم والعزم والإرادة، فينبعث نحو العمل، وأما الجاهل بها فلا يمكن أن ينبعث ويتحرك بها.
وأما الانبعاث في محتمل الوجوب والحرمة احتياطا، فلا يكون بباعثية الأمر الواقعي ونهيه إذا كانا موجودين واقعا، بل بواسطة احتمال الأمر والنهي، سواء كان أمر ونهي في الواقع أو لا، فوجوبهما وعدمهما - بحسب الواقع - على السواء، ونسبتهما إلى الإتيان واللا إتيان سواء، وما كان كذلك لا يمكن أن يكون باعثا، فباعثية الأوامر والنواهي لا تمكن إلا بعد العلم بهما.
فإذا كان الأمر كذلك، فلابد وأن تكون إرادة المولى في الأوامر والنواهي، مقصورة على العالمين بها قهرا ومن باب الاضطرار، وإن كان غرضه متعلقا بالأعم، وخطابه متعلقا بعنوان شامل للعالم والجاهل، لكن الخطاب لما كان لغرض الانبعاث، وهو لا يحصل إلا من العالم به، ولا يمكن الانبعاث بالنسبة إلى الجاهل به، فلا محالة تكون إرادته قاصرة عن شمول الجاهل، ومقصورة على العالم.
ولو تعلق غرضه بعدم مخالفة أمره الواقعي مطلقا، فلابد له من إيجاب الاحتياط بخطاب آخر طريقي؛ لغرض حفظ المأمور به بالأمر الأولي عن