سيكون) وقال أبو علي: الأفعال ثلاثة: فعل يدل على ثبات الشئ واستقراره، نحو العلم والتيقن، وفعل يدل على خلاف الثبات والاستقرار، وفعل يجذب إلى هذا مرة، وإلى هذا أخرى، فما كان معناه العلم، وقعت بعده " أن " الثقيلة، لأن معناها ثبوت الشئ واستقراره، كقوله [تعالى]: (ويعلمون أن الله هو الحق المبين) (ألم يعلم بأن الله يرى) وما كان على غير وجه الثبات والاستقرار نحو: أطمع وأخاف وأرجو، وقعت بعده " أن " الخفيفة، كقوله [تعالى]: (فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله) (تخافون أن يتخطفكم) (فخشينا أن يرهقهما) (أطمع أن يغفر لي) وما كان مترددا بين الحالين مثل حسبت وظننت، فإنه يجعل تارة بمنزلة العلم، وتارة بمنزلة أرجو وأطمع وكلتا القراءتين في (وحسبوا ألا تكون فتنة) قد جاء بها التنزيل. فمثل من نصب (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم) (أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا) (أحسب الناس أن يتركوا) ومثل مذهب من رفع (أيحسبون أنما نمدهم) (أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم) قال ابن عباس: ظنوا أن الله لا يعذبهم، ولا يبتليهم بقتلهم الأنبياء، وتكذبيهم الرسل.
قوله تعالى: (فعموا وصموا) قال الزجاج: هذا مثل تأويله: أنهم لم يعملوا بما سمعوا، ورأوا من الآيات، فصاروا كالعمي الصم.
قوله تعالى: (ثم تاب الله عليهم) فيه قولان:
أحدهما: رفع عنهم البلاء، قاله مقاتل. وقال غيره: هو ظفرهم بالأعداء، وذلك مذكور في قوله [تعالى]: (ثم رددنا لكم الكرة عليهم).
والثاني: أن معنى " تاب عليهم ": أرسل إليهم محمدا يعلمهم أن الله قد تاب عليهم إن آمنوا وصدقوا، قاله الزجاج. وفي قوله [تعالى]: (ثم عموا وصموا) قولان:
أحدهما: لم يتوبوا بعد رفع البلاء، قاله مقاتل.
والثاني: لم يؤمنوا بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، قاله الزجاج.
قوله تعالى: (كثير منهم) أي: عمي وصم وكثير منهم، كما تقول: جاءني قومك