قوله تعالى: (هل أنبئكم بشر من ذلك) قال المفسرون: سبب نزولها قول اليهود للمؤمنين:
والله ما علمنا أهل دين أقل حظا منكم في الدنيا والآخرة، ولا دينا شرا من دينكم. وفي قوله [تعالى]: (بشر من ذلك) قولان:
أحدهما: بشر من المؤمنين، قاله ابن عباس.
والثاني بشر مما نقمتم من إيماننا، قاله الزجاج. فأما " المثوبة " فهي الثواب. قال الزجاج:
وموضع " من " في قوله [تعالى]: (من لعنه الله) إن شئت كان رفعا، وإن شئت كان خفضا، فمن خفض جعله بدلا من " شر " فيكون المعنى: أنبئكم بمن لعنه الله؟ ومن رفع فبإضمار " هو " كأن قائلا قال: من ذلك؟ فقيل: هو من لعنه الله. قال أبو صالح عن ابن عباس: من لعنه الله بالجزية، وغضب عليه بعبادة العجل، فهم شر مثوبة عند الله. وروي عن ابن عباس أن المسخين من أصحاب السبت: مسخ شبابهم قردة، ومشايخهم خنازير. وقال غيره: الردة: أصحاب السبت، والخنازير:
كفار مائدة عيسى. وكان ابن قتيبة يقول: أنا أظن أن هذه القردة، والخنازير هي المسوخ بأعيانها توالدت. قال: واستدللت بقوله تعالى: (وجعل منهم القردة والخنازير) فدخول الألف واللام يدل على المعرفة، وعلى أنها القرود التي تعاين، ولو كان أراد شيئا انقرض ومضى، لقال: وجعل منهم قردة وخنازير، إلا أن يصح حديث أم حبيبة في " المسوخ " فيكون كما قال عليه السلام. قلت أنا:
وحديث أم حبيبة في " الصحيح " انفرد باخراجه مسلم، وهو أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، القردة والخنازير هي مما مسخ؟ فقال النبي عليه السلام: " لم يمسخ قوما أو يهلك قوما، فيجعل لهم نسلا ولا عاقبة، وإن القردة والخنازير قد كانت قبل ذلك " وقد ذكرنا في سورة (البقرة) عن ابن عباس زيادة بيان ذلك، فلا يلتفت إلى ظن ابن قتيبة.
قوله تعالى: (وعبد الطاغوت) فيها عشرون قراءة. قرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر، ونافع، والكسائي: " وعبد " بفتح العين والباء والدال، ونصب تاء " الطاغوت ". وفيها وجهان:
أحدهما: أن المعنى: وجعل منهم القردة والخنازير ومن عبد الطاغوت.
والثاني: أن المعنى: من لعنه الله وعبد الطاغوت، وقرأ حمزة: " وعبد الطاغوت " بفتح العين والدال، وضم الباء، وخفض تاء الطاغوت. قال ثعلب: ليس لها وجه إلا أن يجمع فعل على فعل.