وقال أبو رجاء: كان الحسن يعدهن، وأنا أنظر إلى أصابعه: مقام، إبراهيم ومن دخله كان آمنا، ولله على الناس حج البيت. وقال ابن جرير: في الكلام إضمار: تقديره: منهم مقام إبراهيم. قال المفسرون: الآيات فيه كثيرة، منها مقام إبراهيم، ومنها: أمن من دخله، ومنها: امتناع الطير من العلو عليه، واستشفاء المريض منها به، وتعجيل العقوبة لمن انتهك حرمته، وإهلاك أصحاب الفيل لما قصدوا إخرابه، إلى غير ذلك. قال القاضي أبو يعلى: والمراد بالبيت هاهنا: الحرم كله، لأن هذه الآيات موجودة فيه، ومقام إبراهيم ليس في البيت، والآية في مقام إبراهيم أنه قام على حجر، فأثرت: قدماه فيه، فكان ذلك دليلا على قدرة الله، وصدق إبراهيم.
قوله [تعالى]: (ومن دخله كان آمنا)، قال القاضي أبو يعلى: لفظه لفظ الخبر، ومعناه:
الأمر، وتقديره: ومن دخله، فأمنوه، وهو عام فيمن جنى جناية قبل دخوله، وفيمن جنى فيه بعد دخوله، إلا أن الإجماع انعقد على أن من جنى فيه لا يؤمن، لأنه هتك حرمة الحرم ورد الأمان، فبقي حكم الآية فيمن جنى خارجا منه، ثم لجأ إلى الحرم. وقد اختلف الفقهاء في ذلك، فقال احمد في رواية المروذي: إذا قتل، أو قطع يدا، أو أتى حدا في غير الحرم، ثم دخله، لم يقم عليه الحد، ولم يقتص منه، ولكن لا يبايع، ولا يشارى، ولا يؤاكل حتى يخرج، فان فعل شيئا من ذلك في الحرم، استوفي منه. وقال أحمد في رواية حنبل: إذا قتل خارج الحرم، ثم دخله، لم يقتل. وإن كانت الجناية دون النفس، فإنه يقام عليه الحد، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه. وقال مالك والشافعي: يقام عليه جميع ذلك في النفس، وفيما دون النفس.
وفي قوله [تعالى]: (ومن دخله كان آمنا)، دليل على أنه لا يقام عليه شئ من ذلك، وهو مذهب ابن عمر، وابن عباس، وعطاء، والشعبي، وسعيد بن جبير، وطاوس.
قوله [تعالى]: (ولله على الناس حج البيت)، الأكثرون على فتح حاء " الحج "، وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: بكسرها. قال مجاهد: لما أنزل قوله [تعالى]: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) قال أهل الملل كلهم: نحن مسلمون، فنزلت هذه الآية، فحجه المسلمون، وتركه المشركون، وقالت اليهود: لا نحجه أبدا.
قوله [تعالى] (من استطاع إليه سبيلا)، قال النحويون: من بدل من " الناس "، وهذا بدل البعض، كما تقول: ضربت زيدا رأسه. وقد روي عن ابن مسعود، وابن عمر، وأنس، وعائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل: ما السبيل؟ فقال: " من وجد الزاد والراحلة ".