من نيل مقام العبودية المقاربة لتلك العبودية الذاتية، يحصل لك من الحقائق ما ينطق به لسانك، ويتنزل إلى سمعك أمثال " نهج البلاغة " و " الصحيفة السجادية "... وهكذا، فكل الأمور المتأخرة معلولة الأمور المتقدمة، وجميع الشرائط المتقدمة معلولة المجاهدات النفسانية والرياضات البدنية، ومسببة عن تحمل المشقات الدنيوية والتضحية والفداء في طريق الحق ولنيل العشق المطلق.
وأما الاشتغال بالتفريح والتفرج، والانغماس في حياض اللذات الحيوانية، والانغمار في الشهوات النفسانية، والتوغل في المشتهيات الشيطانية، فلا يستتبع إلا طبقات الآلام الأخروية والعقبات الجحيمية، وقد مر في هذا الكتاب مرارا الإشارة إلى تلك المواعظ، وإلى هذه الأمور اللازمة جدا إلا أن راقم هذه الأسطر وقارئها في نومة الغافلين، وفي غفلة المشتغلين بالدنيا عن الآخرة والدين، وفي الذهول عن الحقائق والمسيرة الاستقبالية في البرازخ والقيامة، فأعاذنا الله تعالى منها وأذن الله أن يشفع لنا الشافعون. اللهم آمين يا رب العالمين.
فإذا كنت تقرأ هاتين الآيتين أفلا تخاف من أن تكون تلك الحجارة الواقعة في قعر الجحيم عند الموت، وأفلا تخشى من أن تكون وقود النار المشتعل على غيرك من الأناسي والعباد، فيحترق غيرك بك، فتكون عليك لعائن الله والناس المتأذين بنارك وإيقادك.
إلهي أنت أعلم بي مني، وأنت تعلم أني قد أفنيت عمري في شرة السهو عنك، وأبليت شبابي في سكرة التباعد منك، وقد دعوتك ليلا ونهارا خفاتا وجهارا، ولا أظنك تردني في حاجة أفنيت عمري في طلبها منك، ما