وإلى العوالم المجردة عن المادة والمدة، ولكنها متقدرة بمقادير ومتلونة بألوان، فهي متكممات، وهذه الموجودات تشبه الموجودات المقدارية الواقعة في خيالنا، وتكون ذات مقادير خاصة حسب الاقتضاءات التي تحصل لمباديها وعللها. وبالجملة: هي الموجودات الواقعة في جهة من جهات العالم، القابلة للمشاهدة من قريب بالبصيرة لا بالباصرة، كما نشاهد المقدرات الذهنية الحاصلة عندنا، سواء كانت النفس تنالها من الخارج، أو تبتدعها وتبتكرها من قبل ما عندها من المواد الموجودة عندها، أي المقادير الحاصلة في خزانتها.
وإلى الماديات الواقعة في المادة والمدة المتقدرات المتكيفات المشاهدة من قريب بالباصرة وواقعة في أسفل العوالم وجهة سفلى الدائرة والقوس النزولي.
وهذه المرحلة والنشأة الحسية مما لا ينكرها إلا السفسطائيون القائلون بما لا يقول به البشر الذي له ضمير ووجدان، فإن مكابر الوجدان لا يمكن إقناعه بالبرهان، كما هو الظاهر للعيان.
وأما العلويات الواقعة في مبدأ الكثرات الوجودية، فهي خارجة عن نطاق بحثنا، وأهل العلم بين منكر لها ومثبت، وقد أشرنا إلى هذه المسألة في مطاوي بحوثنا السابقة إجمالا وحققنا تفصيلها في قواعدنا الحكمية.
وأما الوجودات المتوسطة بين النشأتين، والمتقدرات المتحققة بين المرحلتين، التي منها الجنة والنار والجحيم والنعيم، فهي أيضا محط الخلاف ومصب النفي والإثبات عقلا ونقلا.