ظرف الاستعمال حاكيا له، وهذا مما لا يتصور في حرف النداء وبعض الحروف الاخر، وحروف النداء أظهر الحروف في أنها أدوات إيجادية وتوجد بها معانيها، مع أن سببيتها لوجود المعاني تناقض كونها مستعملة فيها، بداهة أن الاستعمال فرع وجودها، فكيف يعقل أن يكون السبب فرع المسبب؟! ولذلك غمضوا عيونهم وغضوا أبصارهم في الأصول، وقالوا:
الاستعمال على ضربين: إيجادي وحكائي (1)، وحروف النداء من الاستعمالات الإيجادية، غفلة عن أنه أمر لا يناسب العقول العرفية، بل ولا العقل البرهاني، لأن الاستعمال الإيجادي توصيف باطل غير معقول.
والذي هو التحقيق: أن هذه الحروف موضوعة لاعتبار المعاني الحاصلة بغيرها تكوينا، مثلا الصوت الرشيد العالي نداء البعيد حقيقة، وهذا الصوت بناء ارتكازي من الناس على ندائهم إخوانهم عند الحاجة وإرادة الإعلان والإعلام، وحيث توجه عائلة البشر بعد ذلك إلى لزوم اعتبار هذا النداء، ولما لا يصح التصويت المزعج، ولا ينبغي أحيانا رفع الصوت في المحاضر والمحافل، توسل إلى وضع لغة أو لغات يعتبر وراءها هذا النداء العالي، أي إن المتكلم في صورة النداء العالي كان يريد الاهتمام بالأمر، فإذا ألقى كلمة ياء مثلا، فهو يريد الأمر المهتم به، فلا استعمال لهذه الحروف في شئ، بل هو استعمال إلقائي، نظرا إلى انتقال المخاطب إلى ما أراده وقصده وراء هذه اللفظة. وقيل: جميع الألفاظ من