فعلى هذا الأصل الأصيل يتوجه هنا مشكلة: وهو الحكم بأنهم لا يرجعون من القساوة والبطلان إلى السعادة والحق، ومن الضلالة إلى الهداية، فإن من يجد نفسه في هذه المرحلة من الانحطاط، ويدرك نصيبه من الشقاوة بهذه المنزلة من الدناءة والانحراف، فيخرجه عن حد الرجاء والآمال، فيسقط للأبد في النار خالدا فيها ما دامت السماوات والأرض، وهذه الطريقة غير مرضية من الكتاب الإلهي على ما يظهر منه، فإن كتابكم هذا جامع شتات المنحرفين وشامل شمل المنحطين، وفيه من آيات الرجاء ما لا يعد ولا يحصى، وقد سلك أحسن المسالك في الجمع بين الخطين، وفي مراعاة الوجهين والناحيتين.
وبالجملة: هو كتاب الهداية والوعظ الأبدي، وكتاب اللطف والعشق السرمدي بكافة الناس والأنام، على أرقى الوجوه وأحسن الكلام في كل حال ومقام، كيلا تزل لديه الأقدام، حتى الرسل والأنبياء، فضلا عن الأعلام.
ولعل سر ذهاب ابن عباس إلى أنه في موقف الذم والاستبطاء - ولا يبعد أن يكون ذلك مأخوذا عن أهل بيت الإسلام - هو الفرار عن توجيه هذه المعضلة والمشكلة، فتكون الآية غير قاطعة بالنسبة إلى الرجاء وعرق الأمل.
وهنا وجوه من الكلام، إلا أن الذي يظهر لي: هو أن هذه الآية والآيات السابقة، كما مر ليست مخصوصة بحال طائفة خاصة معلومة الحال، وليست - بعبارة أخرى - من القضايا الخارجية والقضايا المتكفلة بتوضيح أحوال جمع معين حتى يستلزم منه هذه العويصة، خلافا لما يظهر