وقول الآخر: (من قرع القسي الكنائن)، وليس المضمر في هذا كالظاهر. فلما كان كذلك لم يستجيزوا عطف الظاهر عليه، لأن المعطوف ينبغي أن يكون مشاكلا للمعطوف عليه، وقد جاء ذلك في ضرورة الشعر، أنشد سيبويه:
فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا * فاذهب فما بك والأيام من عجب (1) فعطف الأيام على موضع الكاف، وقال آخر:
نعلق في مثل السواري سيوفنا * وما بينها والكعب غوط نفانف (2) فعطف الكعب على الهاء والألف في بينها، ومثل ذلك لا يجوز في القرآن والكلام الفصيح. قال المازني: وذلك لأن الثاني في العطف شريك للأول، فإن كان الأول يصلح أن يكون شريكا للثاني، وإلا لم يصلح أن يكون الثاني شريكا.
فكما لا تقول: مررت بزيد وك، كذلك لا تقول: مررت بك وزيد. وأما القراءة الشاذة في رفع (الأرحام) فالوجه في رفعه على الابتداء أي: والأرحام مما يجب أن تتقوه، وحذف الخبر للعلم به.
اللغة: البث: النشر. يقال بث الله الخلق ومنه قوله (كالفراش المبثوث) وبعضهم يقول: أبث بمعناه يقال: بثثتك سري وأبثثتك سري لغتان. وأصل الرقيب من الترقب، وهو الانتظار، ومنه الرقبى، لان كل واحد منهما ينتظر موت صاحبه يقال: رقب، يرقب، رقوبا، ورقبة، ورقبا، فعلى هذا يكون الرقيب فعيلا، بمعنى الفاعل، وهو الحافظ الذي لا يغيب عنه شئ.
المعنى: ابتدأ الله سبحانه هذه السورة بالموعظة والامر بالتقوى فقال: (يا أيها الناس): وهو خطاب للمكلفين من جميع البشر، وقيل: النداء إنما كان في سائر كتب الله السالفة بيا أيها المساكين. وأما في القرآن فما نزل بمكة فالنداء بيا أيها الناس. وما نزل بالمدينة فمرة بيا أيها الذين آمنوا، ومرة بيا أيها الناس.
(اتقوا ربكم): معناه اتقوا معصية ربكم، أو مخالفة ربكم، بترك ما أمر به،