وارتكاب ما نهى عنه. وقيل، معناه: اتقوا حقه أن تضيعوه. وقيل: اتقوا عتابه، فكأنه قال: يحق عليكم أن تتقوا عقاب من أنعم عليكم بأعظم النعم، وهي أن خلقكم من نفس واحدة، وأوجدكم، ومن عظمت عنده النعمى، فهو بالتقوى أولى.
وقيل إن المراد به بيان كمال قدرته، فكأنه قال: الذي قدر على أن خلقكم من نفس واحدة، فهو على عقابكم أقدر، فيحق عليكم أن تتركوا مخالفته، وتتقوا عقوبته.
وقوله: (الذي خلقكم من نفس واحدة): المراد بالنفس هنا: آدم عند جميع المفسرين، وإنما لم يقل نفس واحد بالتذكير، وإن كان المراد آدم، لأن لفظ النفس مؤنث بالصيغة، فهو كقول الشاعر:
أبوك خليفة، ولدته أخرى، * وأنت خليفة، ذاك الكمال (1) فأنث على اللفظ، ولو قال من نفس واحد لجاز.
(وخلق منها زوجها): يعني حواء عليها السلام، ذهب أكثر المفسرين إلى أنها خلقت من ضلع من أضلاع آدم عليه السلام، ورووا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " خلقت المرأة من ضلع آدم عليه السلام، إن أقمتها كسرتها، وإن تركتها وفيها عوج استمتعت بها ". وروي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام: إن الله تعالى خلق حواء من فضل الطينة التي خلق منها آدم. وفي تفسير علي بن إبراهيم: من أسفل أضلاعه.
(وبث منهما رجالا كثيرا): أي نشر وفرق من هاتين النفسين على وجه التناسل رجالا. (ونساء) وإنما من علينا تعالى بأن خلقنا من نفس واحدة، لأنه أقرب إلى أن يعطف بعضنا على بعض، ويرحم بعضنا بعضا، لرجوعنا إلى أصل واحد، ولأن ذلك أبلغ في القدرة، وأدل على العلم والحكمة.
وقوله (واتقوا الله الذي تساءلون به): قيل في معناه قولان: أحدهما أنه من قولهم أسألك بالله أن تفعل كذا، وأنشدك بالله وبالرحم، ونشدتك الله والرحم. وكذا كانت العرب تقول عن الحسن وإبراهيم وعلى هذا يكون قوله (والأرحام) عطفا على موضع قوله به، والمعنى: انكم كما تعظمون الله بأقوالكم، فعظموه بطاعتكم إياه.
والآخر: إن معنى تساءلون به: تطلبون حقوقكم وحوائجكم فيما بينكم به والأرحام، معناه: واتقوا الأرحام أن تقطعوها عن ابن عباس، وقتادة، ومجاهد، والضحاك،