بهما لأنهما قد ذكرا كما قال (وله أخ أو أخت) فلكل واحد منهما. وقيل: إنما جاز ذلك لأنه أضمر فيه من خاصم على ما نذكره في المعنى مشروحا و (أن تعدلوا):
يجوز أن يكون في موضع نصب بأنه مفعول له: أي هربا من أن تعدلوا، وكراهة أن تعدلوا. ويجوز أن يكون في موضع جر على معنى: فلا تتبعوا الهوى لتعدلوا.
المعنى: لما ذكر سبحانه أن عنده ثواب الدنيا والآخرة، عقبه بالأمر بالقسط، والقيام بالحق، وترك الميل والجور، فقال: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط) أي: دائمين على القيام بالعدل، ومعناه: ولتكن عادتكم القيام بالعدل في القول والفعل. (شهداء لله): وهو جمع شهيد، أمر الله تعالى عباده بالثبات والدوام على قول الحق، والشهادة بالصدق، تقربا إليه وطلبا لمرضاته، وعن ابن عباس:
" كونوا قوالين بالحق في الشهادة على من كانت، ولمن كانت، من قريب أو بعيد " (ولو على أنفسكم) أي: ولو كانت شهادتكم على أنفسكم (أو الوالدين والأقربين) أي: على والديكم، وعلى أقرب الناس إليكم، فقوموا فيها بالقسط والعدل، وأقيموها على الصحة والحق، ولا تميلوا فيها لغنى غني، أو لفقر فقير، فإن الله قد سوى بين الغني والفقير فيما ألزمكم، من إقامة الشهادة لكل واحد منهما بالعدل.
وفي هذا دلالة على جواز شهادة الولد لوالده، والوالد لولده، وعليه وشهادة كل ذي قرابة لقريبه، وعليه وإليه، ذهب ابن عباس في قوله: أمر الله سبحانه المؤمنين أن يقولوا الحق، ولو على أنفسهم، أو آبائهم، ولا يحابوا غنيا لغناه، ولا مسكينا لمسكنته. وقال ابن شهاب الزهري: كان سلف المسلمين على ذلك، حتى دخل الناس فيما بعدهم، وظهرت منهم أمور، حملت الولاة على اتهامهم، فتركت شهادة من يتهم. وأما شهادة الانسان على نفسه، فيكون بالإقرار للخصم، فإقراره له شهادة منه على نفسه، وشهادته لنفسه لا تقبل. (إن يكن غنيا أو فقيرا) معناه: إن يكن المشهود عليه غنيا أو فقيرا، أو المشهود له غنيا أو فقيرا، فلا يمنعكم ذلك عن قول الحق، والشهادة بالصدق، وفائدة ذلك أن الشاهد ربما امتنع عن إقامة الشهادة للغني على الفقير، لاستغناء المشهود له، وفقر المشهود عليه فلا يقيم الشهادة شفقة على الفقير، وربما امتنع عن إقامة الشهادة للفقير على الغني، تهاونا للفقير، وتوقيرا للغني، أو خشية منه، أو حشمة له، فبين سبحانه بقوله (فالله أولى بهما) أنه أولى بالغني والفقير، وأنظر لهما من سائر الناس، أي: فلا تمتنعوا من إقامة الشهادة على