* ثالثها معنى قوله الصوم لي أي أنه أحب العبادات إلى والمقدم عندي وقد تقدم قول ابن عبد البر كفى بقوله الصوم لي فضلا للصيام على سائر العبادات وروى النسائي وغيره من حديث أبي أمامة مرفوعا عليك بالصوم فإنه لا مثل له لكن يعكر على هذا الحديث الصحيح واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة * رابعها الإضافة إضافة تشريف وتعظيم كما يقال بيت الله وإن كانت البيوت كلها لله قال الزين بن المنير التخصيص في موضع التعميم في مثل هذا السياق لا يفهم منه الا التعظيم والتشريف * خامسها ان الاستغناء عن الطعام وغيره من الشهوات من صفات الرب جل جلاله فلما تقرب الصائم إليه بما يوافق صفاته أضافه إليه وقال القرطبي معناه ان أعمال العباد مناسبة لأحوالهم الا الصيام فإنه مناسب لصفة من صفات الحق كأنه يقول إن الصائم يتقرب إلى بأمر هو متعلق بصفة من صفاتي * سادسها ان المعنى كذلك لكن بالنسبة إلى الملائكة لان ذلك من صفاتهم * سابعها انه خالص لله وليس للعبد فيه حظ قاله الخطابي هكذا نقله عياض وغيره فان أراد بالحظ ما يحصل من الثناء عليه لأجل العبادة رجع إلى المعنى الأول وقد أفصح بذلك ابن الجوزي فقال المعنى ليس لنفس الصائم فيه حظ بخلاف غيره فان له فيه حظا لثناء الناس عليه لعبادته * ثامنها سبب الإضافة إلى الله ان الصيام لم يعبد به غير الله بخلاف الصلاة والصدقة والطواف ونحو ذلك واعترض على هذا بما يقع من عباد النجوم وأصحاب الهياكل والاستخدامات فإنهم يتعبدون لها بالصيام وأجيب بأنهم لا يعتقدون الهية الكواكب وانما يعتقدون انها فعالة بأنفسها وهذا الجواب عندي ليس بطائل لانهم طائفتان إحداهما كانت تعتقد الهية الكواكب وهم من كان قبل ظهور الاسلام واستمر منهم من استمر على كفره والاخرى من دخل منهم في الاسلام واستمر على تعظيم الكواكب وهو الذين أشير إليهم * تاسعها ان جميع العبادات توفى منها مظالم العباد الا الصيام روى ذلك البيهقي من طريق إسحاق بن أيوب بن حسان الواسطي عن أبيه عن ابن عيينة قال إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده ويؤدى ما عليه من المظالم من عمله حتى لا يبقى له الا الصوم فيتحمل الله ما بقي عليه من المظالم ويدخله بالصوم الجنة قال القرطبي قد كنت استحسنت هذا الجواب إلى أن فكرت في حديث المقاصة فوجدت فيه ذكر الصوم في جملة الأعمال حيث قال المفلس الذي يأتي يوم القيامة بصلاة وصدقة وصيام ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وأكل مال هذا الحديث وفيه فيؤخذ لهذا من حسناته ولهذا من حسناته فإذا فنيت حسناته قبل ان يقضى ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار فظاهره أن الصيام مشترك مع بقية الأعمال في ذلك (قلت) ان ثبت قول ابن عيينة أمكن تخصيص الصيام من ذلك فقد يستدل له بما رواه أحمد من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة رفعه كل العمل كفارة الا الصوم الصوم لي وأنا أجزى به وكذا رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة عن محمد بن زياد ولفظه قال ربكم تبارك وتعالى كل العمل كفارة الا الصوم ورواه قاسم بن أصبغ من طريق أخرى عن شعبة بلفظ كل ما يعمله ابن آدم كفارة له الا الصوم وقد أخرجه المصنف في التوحيد عن آدم عن شعبة بلفظ يرويه عن ربكم قال لكل عمل كفارة والصوم لي وأنا أجزى به فحذف الاستثناء وكذا رواه أحمد عن غندر عن شعبة لكن قال كل العمل كفارة وهذا يخالف رواية آدم لان معناها ان لكل
(٩٣)