عمل من المعاصي كفارة من الطاعات ومعنى رواية غندر كل عمل من الطاعات كفارة للمعاصي وقد بين الإسماعيلي الاختلاف فيه في ذلك على شعبة وأخرجه من طريق غندر بذكر الاستثناء فاختلف فيه أيضا على غندر والاستثناء المذكور يشهد لما ذهب إليه ابن عيينة لكنه وإن كان صحيح السند فإنه يعارضه حديث حذيفة فتنة الرجل في أهله وماله وولده يكفرها الصلاة والصيام والصدقة ولعل هذا هو السر في تعقيب البخاري لحديث الباب بباب الصوم كفارة وأورد فيه حديث حذيفة وسأذكر وجه الجمع بينهما في الكلام على الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى * عاشرها ان الصوم لا يظهر فتكتبه الحفظة كما تكتب سائر الأعمال واستند قائله إلى حديث واه جدا أورده ابن العربي في المسلسلات ولفظه قال الله الاخلاص سر من سرى استودعته قلب من أحب لا يطلع عليه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده ويكفى في رد هذا القول الحديث الصحيح في كتابة الحسنة لمن هم بها وان لم يعملها فهذا ما وقفت عليه من الأجوبة وقد بلغني ان بعض العلماء بلغها إلى أكثر من هذا وهو الطالقاني في حظائر القدس له ولم أقف عليه واتفقوا على أن المراد بالصيام هنا صيام من سلم صيامه من المعاصي قولا وفعلا ونقل ابن العربي عن بعض الزهاد انه مخصوص بصيام خواص الخواص فقال إن الصوم على أربعة أنواع صيام العوام وهو الصوم عن الأكل والشرب والجماع وصيام خواص العوام وهو هذا مع اجتناب المحرمات من قول أو فعل وصيام الخواص وهو الصوم عن غير ذكر الله وعبادته وصيام خواص الخواص وهو الصوم عن غير الله فلا فطر لهم إلى يوم القيامة وهذا مقام عال لكن في حصر المراد من الحديث في هذا النوع نظر لا يخفى وأقرب الأجوبة التي ذكرتها إلى الصواب الأول والثاني ويقرب منهما الثامن والتاسع وقال البيضاوي في الكلام على رواية الأعمش عن أبي صالح التي بينتها قبل لما أراد بالعمل الحسنات وضع الحسنة في الخبر موضع الضمير الراجع إلى المبتدا وقوله الا الصيام مستثنى من كلام غير محكى دل عليه ما قبله والمعنى ان الحسنات يضاعف جزاؤها من عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف الا الصوم فلا يضاعف إلى هذا القدر بل ثوابه لا يقدر قدره ولا يحصيه الا الله تعالى ولذلك يتولى الله جزاءه بنفسه ولا يكله إلى غيره قال والسبب في اختصاص الصوم بهذه المزية أمران أحدهما ان سائر العبادات مما يطلع العباد عليه والصوم سر بين العبد وبين الله تعالى يفعله خالصا له ويعامله به طالبا لرضاه والى ذلك الإشارة بقوله فإنه لي والآخر أن سائر الحسنات راجعة إلى صرف المال أو استعمال البدن والصوم يتضمن كسر النفس وتعريض البدن للنقصان وفيه الصبر على مضض الجوع والعطش وترك الشهوات والى ذلك أشار بقوله يدع شهوته من أجلى قال الطيبى وبيان هذا ان قوله يدع شهوته إلى آخره جملة مستأنفة وقعت موقع البيان لموجب الحكم المذكور وأما قول البيضاوي ان الاستثناء من كلام غير محكى ففيه نظر فقد يقال هو مستثنى من كل عمل وهو مروى عن الله لقوله في أثناء الحديث قال الله تعالى ولما لم يذكره في صدر الكلام أورده في أثنائه بيانا وفائدته تفخيم شأن الكلام وانه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى (قوله والحسنة بعشرة أمثالها) كذا وقع مختصرا عند البخاري وقد تقدمت البيان بأنه وقع في الموطأ تاما وقد رواه أبو نعيم في المستخرج من طريق القعنبي شيخ البخاري فيه فقال بعد قوله وأنا أجزى به كل حسنة يعملها ابن آدم بعشر
(٩٤)