يقم ليلة القدر فيوافقها وفى حديث عبادة عند أحمد من قامها ايمانا واحتسابا ثم وفقت له قال النووي معنى يوافقها أي يعلم أنها ليلة القدر فيوافقها ويحتمل أن يكون المراد يوافقها في نفس الامر وان لم يعلم هو ذلك وفى حديث زر بن حبيش عن ابن مسعود قال من يقم الحول يصب ليلة القدر وهو محتمل للقولين أيضا وقال النووي أيضا في حديث من قام رمضان وفى حديث من قام ليلة القدر معناه من قامه ولو لم يوافق ليلة القدر حصل له ذلك ومن قام ليلة القدر فوافقها حصل له وهو جار على ما اختاره من تفسير الموافقة بالعلم بها وهو الذي يترجح في نظري ولا أنكر حصول الثواب الجزيل لمن قام لابتغاء ليلة القدر وان لم يعلم بها ولو لم توفق له وانما الكلام على حصول الثواب المعين الموعود به وفرعوا على القول باشتراط العلم بها أنه يختص بها شخص دون شخص فيكشف لواحد ولا يكشف لآخر ولو كانا معا في بيت واحد وقال الطبري في اخفاء ليلة القدر دليل على كذب من زعم أنه يظهر في تلك الليلة للعيون ما لا يظهر في سائر السنة إذ لو كان ذلك حقا لم يخف على كل من قام ليالي السنة فضلا عن ليالي رمضان وتعقبه ابن المنير في الحاشية بأنه لا ينبغي اطلاق القول بالتكذيب لذلك بل يجوز أن يكون ذلك على سبيل الكرامة لمن شاء الله من عباده فيختص بها قوم دون قوم والنبي صلى الله عليه وسلم لم يحصر العلامة ولم ينف الكرامة وقد كانت العلامة في السنة التي حكاها أبو سعيد نزول المطر ونحن نرى كثيرا من السنين ينقضى رمضان دون مطر مع اعتقادنا أنه لا يخلو رمضان من ليلة القدر قال ومع ذلك فلا نعتقد أن ليلة القدر لا ينالها الا من رأى الخوارق بل فضل الله واسع ورب قائم تلك الليلة لم يحصل منها الا على العبادة من غير رؤية خارق وآخر رأى الخارق من غير عبادة والذي حصل على العبادة أفضل والعبرة انما هي بالاستقامة فإنها تستحيل أن تكون الا كرامة بخلاف الخارق فقد يقع كرامة وقد يقع فتنة والله أعلم وفى هذه الأحاديث رد لقول أبى الحسن الحولي المغربي أنه اعتبر ليلة القدر فلم تفته طول عمره وأنها تكون دائما ليلة الأحد فإن كان أول الشهر ليلة الأحد كانت ليلة تسع وعشرين وهلم جرا ولزم من ذلك أن تكون في ليلتين من العشر الوسط لضرورة أن أوتار العشر خمسة وعارضه بعض من تأخر عنه فقال إنها تكون دائما ليلة الجمعة وذكر نحو قول أبى الحسن وكلاهما لا أصل له بل هو مخالف لاجماع الصحابة في عهد عمر كما تقدم وهذا كاف في الرد وبالله التوفيق * (تنبيه) * وقعت هنا في نسخة الصغاني زيادة سأذكرها في آخر الباب الذي يلي هذا بعد باب آخر إن شاء الله تعالى * (قوله باب رفع معرفة ليلة القدر لتلاحي الناس أي بسبب تلاحي الناس وقيد الرفع بمعرفة إشارة إلى أنها لم ترفع أصلا ورأسا قال الزين بن المنير يستفاد هذا التقييد من قوله التمسوها بعد اخبارهم بأنها رفعت ومن كون أن وقوع التلاحي في تلك الليلة لا يستلزم وقوعه فيما بعد ذلك ومن قوله فعسى أن يكون خيرا فان وجه الخيرية من جهة أن خفاءها يستدعى قيام كل الشهر أو العشر بخلاف ما لو بقيت معرفة تعيينها (قوله عن أنس عن عبادة بن الصامت) كذا رواه أكثر أصحاب حميد عن أنس ورواه مالك فقال عن حميد عن أنس قال خرج علينا ولم يقل عن عبادة قال ابن عبد البر والصواب اثبات عبادة وأن الحديث من مسنده (قوله فتلاحى) بالمهملة أي وقعت بينهما ملاحاة وهى المخاصمة والمنازعة والمشاتمة والاسم اللحاء بالكسر والمد وفى رواية أبى نضرة عن أبي سعيد عند مسلم فجاء رجلان يختصمان
(٢٣٢)