مشتمل على حديثين أفردهما مالك في الموطأ فمن أوله إلى قوله الصيام جنة حديث ومن ثم إلى آخره حديث وجمعهما عنه هكذا القعنبي وعنه رواه البخاري هنا ووقع عن غير القعنبي من رواة الموطأ زيادة في آخر الثاني وهى بعد قوله وأنا أجزى به والحسنة بعشر أمثالها زادوا إلى سبعمائة ضعف الا الصيام فهو لي وأنا أجزى به وقد أخرج البخاري هذا الحديث بعد أبواب من طريق أبى صالح عن أبي هريرة وبين في أوله انه من قول الله عز وجل كما سأبينه (قوله الصيام جنة) زاد سعيد بن منصور عن مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد جنة من النار وللنسائي من حديث عائشة مثله وله من حديث عثمان بن أبي العاص الصيام جنة كجنة أحدكم من القتال ولأحمد من طريق أبى يونس عن أبي هريرة جنة وحصن حصين من النار وله من حديث أبي عبيدة بن الجراح الصيام جنة ما لم يخرقها زاد الدارمي بالغيبة وبذلك ترجم له هو وأبو داود والجنة بضم الجيم الوقاية والستر وقد تبين بهذه الروايات متعلق هذا الستر وأنه من النار وبهذا جزم ابن عبد البر وأما صاحب النهاية فقال معنى كونه جنة أي يقي صاحبه ما يؤذيه من الشهوات وقال القرطبي جنة أي سترة يعنى بحسب مشروعيته فينبغي للصائم أن يصونه مما يفسده وينقص ثوابه واليه الإشارة بقوله فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث إلى آخره ويصح أن يراد أنه سترة بحسب فائدته وهو اضعاف شهوات النفس واليه الإشارة بقوله يدع شهوته إلى آخره ويصح أن يراد أنه سترة بحسب ما يحصل من الثواب وتضعيف الحسنات وقال عياض في الاكمال معناه سترة من الآثام أو من النار أو من جميع ذلك وبالأخير جزم النووي وقال ابن العربي انما كان الصوم جنة من النار لأنه امساك عن الشهوات والنار محفوفة بالشهوات فالحاصل أنه إذا كف نفسه عن الشهوات في الدنيا كان ذلك ساترا له من النار في الآخرة وفى زيادة أبى عبيدة بن الجراح إشارة إلى أن الغيبة تضر بالصيام وقد حكى عن عائشة وبه قال الأوزاعي أن الغيبة تفطر الصائم وتوجب عليه قضاء ذلك اليوم وأفرط ابن حزم فقال يبطله كل معصية من متعمد لها ذاكر لصومه سواء كانت فعلا أو قولا لعموم قوله فلا يرفث ولا يجهل ولقوله في الحديث الآتي بعد أبواب من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه والجمهور وان حملوا النهى عن التحريم الا أنهم خصوا الفطر بالاكل والشرب والجماع وأشار ابن عبد البر إلى ترجيح الصيام على غيره من العبادات فقال حسبك بكون الصيام جنة من النار فضلا وروى النسائي بسند صحيح عن أبي أمامة قال قلت يا رسول الله مرني بأمر آخذه عنك قال عليك بالصوم فإنه لا مثل له وفى رواية لا عدل له والمشهور عند الجمهور ترجيح الصلاة (قوله فلا يرفث) أي الصائم كذا وقع مختصرا وفى الموطأ الصيام جنة فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث الخ ويرفث بالضم والكسر ويجوز في ماضيه التثليث والمراد بالرفث هنا وهو بفتح الراء والفاء ثم المثلثة الكلام الفاحش وهو يطلق على هذا وعلى الجماع وعلى مقدماته وعلى ذكره مع النساء أو مطلقا ويحتمل أن يكون لما هو أعم منها (قوله ولا يجهل) أي لا يفعل شيئا من أفعال أهل الجهل كالصياح والسفه ونحو ذلك ولسعيد بن منصور من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه فلا يرفث ولا يجادل قال القرطبي لا يفهم من هذا ان غير يوم الصوم يباح فيه ما ذكر وانما المراد أن المنع من ذلك يتأكد بالصوم (قوله وان امرؤ) بتخفيف النون (قاتله أو شاتمه) وفى رواية
(٨٨)