وقول المهلب ان أبا الدرداء أفطر متأولا ومجتهدا فيكون معذورا فلا قضاء عليه لا ينطبق على مذهب مالك فلو أفطر أحد بمثل عذر أبى الدرداء عنده لوجب عليه القضاء ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم صوب فعل أبى الدرداء فترقى عن مذهب الصحابي إلى نص الرسول صلى الله عليه وسلم وقد قال ابن عبد البر ومن احتج في هذا بقوله ولا تبطلوا أعمالكم فهو جاهل بأقوال أهل العلم فان الأكثر على أن المراد بذلك النهى عن الرياء كأنه قال لا تبطلوا أعمالكم بالرياء بل أخلصوها لله وقال آخرون لا تبطلوا أعمالكم بارتكاب الكبائر ولو كان المراد بذلك النهى عن ابطال ما لم يفرضه الله عليه ولا أوجب على نفسه بنذر وغيره لامتنع عليه الافطار الا بما يبيح الفطر من الصوم الواجب وهم لا يقولون بذلك والله أعلم * (تنبيه) * هذه الترجمة التي فرغنا منها الآن أول أبواب التطوع بدأ المصنف منها بحكم صوم التطوع هل يلزم تمامه بالدخول فيه أم لا ثم أورد بقية أبوابه على ما اختاره من الترتيب * (قوله باب صوم شعبان) أي استحبابه وكانه لم يصرح بذلك لما في عمومه من التخصيص وفى مطلقه من التقييد كما سيأتي بيانه وسمى شعبان لتشعبهم في طلب المياه أو في الغارات بعد أن يخرج شهر رجب الحرام وهذا أولى من الذي قبله وقيل فيه غير ذلك (قوله عن أبي النضر) هو سالم المدني زاد مسلم مولى عمر بن عبيد الله وفى رواية ابن وهب عند النسائي والدارقطني في الغرائب عن مالك عن أبي النضر انه حدثهم (قوله عن عائشة) في رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة أن عائشة حدثته وهو في ثاني حديثي الباب وقوله فيه عن يحيى عن أبي سلمة في رواية مسلم عن يحيى بن أبي كثير واتفق أبو النصر ويحيى ووافقهما محمد بن إبراهيم وزيد بن أبي عتاب عند النسائي ومحمد بن عمرو عند الترمذي على روايتهم إياه عن أبي سلمة عن عائشة وخالفهم يحيى بن سعيد وسالم بن أبي الجعد فروياه عن أبي سلمة عن أم سلمة أخرجهما النسائي وقال الترمذي عقب طريق سالم بن أبي الجعد هذا اسناد صحيح ويحتمل ان يكون أبو سلمة رواه عن كل من عائشة وأم سلمة (قلت) ويؤيده ان محمد بن إبراهيم التيمي رواه عن أبي سلمة عن عائشة تارة وعن أم سلمة تارة أخرى أخرجهما النسائي (قوله أكثر صياما) كذا لأكثر الرواة بالنصب وحكى السهيلي انه روى بالخفض وهو وهم ولعل بعضهم كتب صياما بغير الف على رأى من يقف على المنصوب بغير ألف فتوهم مخفوضا أو ان بعض الرواة ظن أنه مضاف لان صيغة أفعل تضاف كثيرا فتوهمها مضافة وذلك لا يصح هنا قطعا وقوله أكثر بالنصب وهو ثاني مفعولي رأيت وقوله في شعبان يتعلق بصياما والمعنى كان يصوم في شعبان وغيره وكان صيامه في شعبان تطوعا أكثر من صيامه فيما سواه (قوله من شعبان) زاد في حديث يحيى بن أبي كثير فإنه كان يصوم شعبان كله زاد ابن أبي لبيد عن أبي سلمة عن عائشة عند مسلم كان يصوم شعبان الا قليلا ورواه الشافعي من هذا الوجه بلفظ بل كان يصوم إلى آخره وهذا يبين ان المراد بقوله في حديث أم سلمة عند أبي داود وغيره أنه كان لا يصوم من السنة شهرا تاما الا شعبان يصله برمضان أي كان يصوم معظمه ونقل الترمذي عن ابن المبارك أنه قال جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقول صام الشهر كله ويقال قام فلان ليلته أجمع ولعله قد تعشى واشتغل ببعض أمره قال الترمذي كأن ابن المبارك جمع بين الحديثين بذلك وحاصله ان الرواية الأولى مفسرة للثانية مخصصة لها وان المراد بالكل الأكثر وهو مجاز قليل الاستعمال واستبعده الطيبى
(١٨٦)