أي على صفتكم في أن من أكل منكم أو شرب انقطع وصاله بل انما يطعمني ربى ويسقيني ولا تنقطع بذلك مواصلتي فطعامي وشرابي على غير طعامكم وشرابكم صورة ومعنى وقال الرين ابن المنير هو محمول على أن أكله وشربه في تلك الحالة كحال النائم الذي يحصل له الشبع والري بالاكل والشرب ويستمر له ذلك حتى يستيقظ ولا يبطل بذلك صومه ولا ينقطع وصاله ولا ينقص أجره وحاصله انه يحمل ذلك على حالة استغراقه صلى الله عليه وسلم في أحواله الشريفة حتى لا يؤثر فيه حينئذ شئ من الأحوال البشرية وقال الجمهور قوله يطعمني ويسقيني مجاز عن لازم الطعام والشراب وهو القوة فكأنه قال يعطيني قوة الآكل والشارب ويفيض على ما يسد مسد الطعام والشراب ويقوى على أنواع الطاعة من غير ضعف في القوة ولا كلال في الاحساس أو المعنى ان الله يخلق فيه من الشبع والري ما يغنيه عن الطعام والشراب فلا يحس بجوع ولا عطش والفرق بينه وبين الأول انه على الأول يعطى القوة من غير شبع ولا رى مع الجوع والظما وعلى الثاني يعطى القوة مع الشبع والري ورجح الأول بان الثاني ينافي حال الصائم ويفوت المقصود من الصيام والوصال لان الجوع هو روح هذه العبادة بخصوصها قال القرطبي ويبعده أيضا النظر إلى حاله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يجوع أكثر مما يشبع ويربط على بطنه الحجارة من الجوع (قلت) وتمسك ابن حبان بظاهر الحال فاستدل بهذا الحديث على تضعيف الأحاديث الواردة بأنه صلى الله عليه وسلم كان يجوع ويشد الحجر على بطنه من الجوع قال لان الله تعالى كان يطعم رسوله ويسقيه إذا واصل فكيف يتركه جائعا حتى يحتاج إلى شد الحجر على بطنه ثم قال وماذا يغنى الحجر من الجوع ثم ادعى ان ذلك تصحيف ممن رواه وانما هي الحجز بالزاي جمع حجزة وقد أكثر الناس من الرد عليه في جميع ذلك وأبلغ ما يرد عليه به أنه أخرج في صحيحه من حديث ابن عباس قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم بالهاجرة فرأى أبا بكر وعمر فقال ما أخرجكما قالا ما أخرجنا الا الجوع فقال وانا والذي نفسي بيده ما أخرجني الا الجوع الحديث فهذا الحديث يرد ما تمسك به وأما قوله وما يغنى الحجر من الجوع فجوابه انه يقيم الصلب لان البطن إذا خلا ربما ضعف صاحبه عن القيام لانثناء بطنه عليه فإذا ربط عليه الحجر اشتد وقوى صاحبه على القيام حتى قال بعض من وقع له ذلك كنت أظن الرجلين يحملان البطن فإذا البطن يحمل الرجلين ويحتمل ان يكون المراد بقوله يطعمني ويسقيني أي يشغلني بالتفكر في عظمته والتملي بمشاهدته والتغذي بمعارفه وقرة العين بمحبته والاستغراق في مناجاته والاقبال عليه عن الطعام والشراب والى هذا جنح ابن القيم وقال قد يكون هذا الغذاء أعظم من غذاء الأجساد ومن له أدنى ذوق وتجربة يعلم استغناء الجسم بغذاء القلب والروح عن كثير من الغذاء الجسماني ولا سيما الفرح المسرور بمطلوبه الذي قرت عينه بمحبوبه (قوله اكلفوا) بسكون الكاف وضم اللام أي احملوا المشقة في ذلك يقال كلفت بكذا إذا ولعت به وحكى عياض ان بعضهم قال بهمزة قطع وكسر اللام قال ولا يصح لغة (قوله بما تطيقون) في رواية أحمد بما لكم به طاقة وكذا لمسلم من طريق أبى الزناد عن الأعرج * (قوله باب الوصال إلى السحر) أي جوازه وقد تقدم انه قول أحمد وطائفة من أصحاب الحديث وتقدم توجيهه وان من الشافعية من قال إنه ليس بوصال حقيقة (قوله حدثني ابن أبي حازم) هو عبد العزيز وشيخه يزيد
(١٨١)