إلى الله تعالى وذهب جماعة منهم المتولى من الشافعية إلى أن صيام داود أفضل وهو ظاهر الحديث بل صريحه ويترجح من حيث المعنى أيضا بأن صيام الدهر قد يفوت بعض الحقوق كما تقدم وبأن من اعتاده فإنه لا يكاد يشق عليه بل تضعف شهوته عن الاكل وتقل حاجته إلى الطعام والشراب نهارا ويألف تناوله في الليل بحيث يتجدد له طبع زائد بخلاف من يصوم يوما ويفطر يوما فإنه ينتقل من فطر إلى صوم ومن صوم إلى فطر وقد نقل الترمذي عن بعض أهل العلم انه أشق الصيام ويأمن من ذلك غالبا من تفويت الحقوق كما تقدمت الإشارة إليه فيما تقدم قريبا في حق داود عليه السلام ولا يفر إذا لاقي لان من أسباب الفرار ضعف الجسد ولا شك ان سرد الصوم ينهكه وعلى ذلك يحمل قول ابن مسعود فيما رواه سعيد بن منصور باسناد صحيح عنه أنه قيل له انك لتقل الصيام فقال انى أخاف أن يضعفني عن القراءة والقراءة أحب إلى من الصيام نعم ان فرض ان شخصا لا يفوته شئ من الأعمال الصالحة بالصيام أصلا ولا يفوت حقا من الحقوق التي خوطب بها لم يبعد أن يكون في حقه أرجح والى ذلك أشار ابن خزيمة فترجم الدليل على أن صيام داود انما كان أعدل الصيام وأحبه إلى الله لان فاعله يؤدى حق نفسه وأهله وزائره أيام فطره بخلاف من يتابع الصوم وهذا يشعر بأن من لا يتضرر في نفسه ولا يفوت حقا أن يكون أرجح وعلى هذا فيختلف ذلك باختلاف الاشخاص والأحوال فمن يقتضى حاله الاكثار من الصوم أكثر منه ومن يقتضى حاله الاكثار من الافطار أكثر منه ومن يقتضى حاله المزج فعله حتى أن الشخص الواحد قد تختلف عليه الأحوال في ذلك والى ذلك أشار الغزالي أخيرا والله أعلم بالصواب * (قوله باب صوم يوم وافطار يوم) ذكر فيه حديث عبد الله ابن عمرو من طريق شعبة عن مغيرة عن مجاهد عنه مختصرا وقد أخرجه في فضائل القرآن من طريق أبى عوانة عن مغيرة مطولا وسيأتى الكلام عليه فيما يتعلق بقراءة القرآن هناك وقد تقدم الكلام على فوائد الزيادة المتعلقة بالصيام قريبا * (قوله باب صوم داود عليه السلام) أورد فيه حديث عبد الله بن عمرو من وجهين وقد قدمت محصل فوائدهما المتعلقة بالصيام قال الزين بن المنير أفرد ترجمة صوم يوم وافطار يوم بالذكر للتنبيه على أفضليته وأفرد صيام داود عليه السلام بالذكر للإشارة إلى الاقتداء به في ذلك (قوله في الطريق الأولى وكان شاعرا وكان لا يتهم في حديثه) فيه إشارة إلى أن الشاعر بصدد أن يتهم في حديثه لما تقتضيه صناعته من سلوك المبالغة في الطراء وغيره فأخبر الراوي عنه أنه مع كونه شاعرا كان غير متهم في حديثه وقوله في حديثه يحتمل مرويه من الحديث النبوي ويحتمل فيما هو أعم من ذلك والثاني أليق والا لكان مرغوبا عنه والواقع انه حجة عند كل من أخرج الصحيح وأفصح بتوثيقه احمد وابن معين وآخرون وليس له مع ذلك في البخاري سوى هذا الحديث وحديثين أحدهما في الجهاد والآخر في المغازي وأعادهما معا في الأدب وقد تقدم حديث الباب في التهجد من وجه آخر (قوله ونفهت) بكسر الفاء أي تعبت وكلت ووقع في رواية النسفي نثهت بالمثلثة بدل الفاء وقد استغربها ابن التين فقال لا اعرف معناها (قلت) وكأنها أبدلت من الفاء فإنها تبدل منها كثيرا وفى رواية الكشميهني بدلها ونهكت أي هزلت وضعفت (قوله صوم ثلاثة أيام) أي من كل شهر (صوم الدهر كله) أي بالتضعيف كما تقدم صريح (قوله في الطريق
(١٩٥)