السفرة مقيما مع أبويه بمكة فلم يشاهد هذه القصة فكأنه سمعها من غيره من الصحابة * (قوله باب) كذا للأكثر بغير ترجمة وسقط من رواية النسفي وعلى الحالين لا بد أن يكون لحديث أبى الدرداء المذكور فيه تعلق بالترجمة ووجهه ما وقع من افطار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان في السفر بمحضر منه ولم ينكر عليهم فدل على الجواز وعلى رد قول من قال من سافر في شهر رمضان امتنع عليه الفطر (قوله عن أم الدرداء) في رواية أبى داود من طريق سعيد بن عبد العزيز عن إسماعيل بن عبيد الله وهو ابن أبي المهاجر الدمشقي حدثتني أم الدرداء والاسناد كله شاميون سوى شيخ البخاري وقد دخل الشأم وأم الدرداء هي الصغرى التابعية (قوله خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره) في رواية مسلم من طريق سعيد بن عبد العزيز أيضا خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في حر شديد الحديث وبهذه الزيادة يتم المراد من الاستدلال ويتوجه الرد بها على أبى محمد بن حزم في زعمه ان حديث أبي الدرداء هذا لا حجة فيه لاحتمال أن يكون ذلك الصوم تطوعا وقد كنت ظننت ان هذه السفرة غزوة الفتح لما رأيت في الموطأ من طريق أبى بكر بن عبد الرحمن عن رجل من الصحابة قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج في الحر وهو يصب على رأسه الماء وهو صائم من العطش ومن الحر فلما بلغ الكديد أفطر فإنه يدل على أن غزاة الفتح كانت في أيام شدة الحر وقد اتفقت الروايتان على أن كلا من السفرتين كان في رمضان لكنني رجعت عن ذلك وعرفت انه ليس بصواب لان عبد الله بن رواحة استشهد بمؤتة قبل غزوة الفتح بلا خلاف وان كانتا جميعا في سنة واحدة وقد استثناه أبو الدرداء في هذه السفرة مع النبي صلى الله عليه وسلم فصح انها كانت سفرة أخرى وأيضا فان في سياق أحاديث غزوة الفتح ان الذين استمروا من الصحابة صياما كانوا جماعة وفى هذا انه عبد الله بن رواحة وحده وأخرج الترمذي من حديث عمر غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان يوم بدر ويوم الفتح الحديث ولا يصح حمله أيضا على بدر لان أبا الدرداء لم يكن حينئذ أسلم وفى الحديث دليل على أن لا كراهية في الصوم في السفر لمن قوى عليه ولم يصبه منه مشقة شديدة * (قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن ظلل عليه واشتد الحر ليس من البر الصيام في السفر) أشار بهذه الترجمة إلى أن سبب قوله صلى الله عليه وسلم ليس من البر الصيام في السفر ما ذكر من المشقة وان من روى الحديث مجردا فقد اختصر القصة وبما أشار إليه من اعتبار شدة المشقة يجمع بين حديث الباب والذي قبله فالحاصل أن الصوم لمن قوى عليه أفضل من الفطر والفطر لمن شق عليه الصوم أو أعرض عن قبول الرخصة أفضل من الصوم وان من لم يتحقق المشقة يخير بين الصوم والفطر وقد اختلف السلف في هذه المسئلة فقالت طائفة لا يجزئ الصوم في السفر عن الفرض بل من صام في السفر وجب عليه قضاؤه في الحضر لظاهر قوله تعالى فعدة من أيام أخر ولقوله صلى الله عليه وسلم ليس من البر الصيام في السفر ومقابلة البر الاثم وإذا كان آثما بصومه لم يجزئه وهذا قول بعض أهل الظاهر وحكى عن عمر وابن عمر وأبي هريرة والزهري وإبراهيم النخعي وغيرهم واحتجوا بقوله تعالى فمن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر قالوا ظاهره فعليه عدة أو فالواجب عدة وتأوله الجمهور بان التقدير فأفطر فعدة ومقابل هذا القول من قال إن الصوم في السفر لا يجوز الا لمن خاف على نفسه الهلاك أو المشقة
(١٥٩)