في باقي الروايات نظرا إلى أن أصل أفضليته ثابت في الدارين وهو كقوله ان ربهم بهم يومئذ لخبير وهو خبير بهم في كل يوم انتهى ويترتب على هذا الخلاف المشهور في كراهة إزالة هذا الخلوف بالسواك وسيأتى البحث فيه بعد بضعة وعشرين بابا حيث ترجم له المصنف إن شاء الله تعالى ويؤخذ من قوله أطيب من ريح المسك أن الخلوف أعظم من دم الشهادة لان دم الشهيد شبه ريحه بريح المسك والخلوف وصف بأنه أطيب ولا يلزم من ذلك ان يكون الصيام أفضل من الشهادة لما لا يخفى ولعل سبب ذلك النظر إلى أصل كل منهما فان أصل الخلوف طاهر وأصل الدم بخلافه فكان ما أصله طاهر أطيب ريحا (قوله يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلى) هكذا وقع هنا ووقع في الموطأ وانما يذر شهوته إلى آخره ولم يصرح بنسبته إلى الله للعلم به وعدم الاشكال فيه وقد روى أحمد هذا الحديث عن إسحاق بن الطباع عن مالك فقال بعد قوله من ريح المسك يقول الله عز وجل انما يذر شهوته إلى آخره وكذلك رواه سعيد بن منصور عن مغيرة ابن عبد الرحمن عن أبي الزناد فقال في أول الحديث يقول الله عز وجل كل عمل ابن آدم هو له الا الصيام فهو لي وانا أجزى به وانما يذر ابن آدم شهوته وطعامه من أجلى لحديث وسيأتى قريبا من طريق عطاء عن أبي صالح بلفظ قال الله عز وجل كل عمل ابن آدم له الحديث ويأتي في التوحيد من طريق الأعمش عن أبي صالح بلفظ يقول الله عز وجل الصوم لي وأنا أجزى به الحديث وقد يفهم من الاتيان بصيغة الحصر في قوله انما يذر الخ التنبيه على الجهة التي بها يستحق الصائم ذلك وهو الاخلاص الخاص به حتى لو كان ترك المذكورات لغرض آخر كالتخمة لا يحصل للصائم الفضل المذكور لكن المدار في هذه الأشياء على الداعي القوى الذي يدور معه الفعل وجودا وعدما ولا شك أن من لم يعرض في خاطره شهوة شئ من الأشياء طول نهاره إلى أن أفطر ليس هو في الفضل كمن عرض له ذلك فجاهد نفسه في تركه والمراد بالشهوة في الحديث شهوة الجماع لعطفها على الطعام والشراب ويحتمل أن يكون من العام بعد الخاص ووقع في رواية الموطأ بتقديم الشهوة عليها فيكون من الخاص بعد العام ومثله حديث أبي صالح في التوحيد وكذا جمهور الرواة عن أبي هريرة وفى رواية ابن خزيمة من طريق سهيل عن أبي صالح عن أبيه يدع الطعام والشراب من أجلى ويدع لذته من أجلى وفى رواية أبى قرة من هذا الوجه يدع امرأته وشهوته وطعامه وشرابه من أجلي وأصرح من ذلك ما وقع عند الحافظ سمويه في فوائده من طريق المسيب بن رافع عن أبي صالح يترك شهوته من الطعام والشراب والجماع من أجلى (قوله الصيام لي وانا أجزى به) كذا وقع بغير أداة عطف ولا غيرها وفى الموطأ فالصيام بزيادة الفاء وهى للسببية أي سبب كونه لي أنه يترك شهوته لأجلي ووقع في رواية مغيرة عن أبي الزناد عند سعيد بن منصور كل عمل ابن آدم له الا الصيام فإنه لي وانا أجزى به ومثله في رواية عطاء عن أبي صالح الآتية وقد اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى الصيام لي وانا أجزى به مع أن الأعمال كلها له وهو الذي يجزى بها على أقوال أحدها ان الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره حكاه المازري ونقله عياض عن أبي عبيد ولفظ أبى عبيد في غريبه قد علمنا أن أعمال البر كلها لله وهو الذي يجزى بها فنرى والله أعلم انه انما خص الصيام لأنه ليس يظهر من ابن آدم بفعله وانما هو شئ في القلب ويؤيد هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم ليس في الصيام رياء حدثنيه شبابة
(٩١)