بما ورد في بقية حديث ابن عمر في جميع طرقه ولا سيما في طريق الليث الآتية في الباب الذي بعد هذا وقال بعضهم حديث البيعان بالخيار جاء بألفاظ مختلفة فهو مضطرب لا يحتج به وتعقب بأن الجمع بين ما اختلف من ألفاظه ممكن بغير تكلف ولا تعسف فلا يضره الاختلاف وشرط المضطرب ان يتعذر الجمع بين مختلف ألفاظه وليس هذا الحديث من ذلك وقال بعضهم لا يتعين حمل الخيار في هذا الحديث على خيار الفسخ فلعله أريد به خيار الشراء أو خيار الزيادة في الثمن أو المثمن وأجيب بأن المعهود في كلامه صلى الله عليه وسلم حيث يطلق الخيار إرادة خيار الفسخ كما في حديث المصراة وكما في حديث الذي يخدع في البيوع وأيضا فإذا ثبت ان المراد بالمتبايعين المتعاقدان فبعد صدور العقد لا خيار في الشراء ولا في الثمن وقال ابن عبد البر قد أكثر المالكية والحنفية من الاحتجاج لرد هذا الحديث بما يطول ذكره وأكثره لا يحصل منه شئ وحكى ابن السمعاني في الاصطلام عن بعض الحنفية قال البيع عقد مشروع بوصف وحكم فوصفه اللزوم وحكمه الملك وقد تم البيع بالعقد فوجب ان يتم بوصفه وحكمه فاما تأخير ذلك إلى أن يفترقا فليس عليه دليل لان السبب إذا تم يفيد حكمه ولا ينتفى الا بعارض ومن ادعاه فعليه البيان وأجاب بان البيع سبب للايقاع في الندم والندم يحوج إلى النظر فأثبت الشارع خيار المجلس نظرا للمتعاقدين ليسلما من الندم ودليله خيار الرؤية عندهم وخيار الشرط عندنا قال ولو لزم العقد بوصفه وحكمه لما شرعت الإقالة لكنها شرعت نظرا للمتعاقدين الا انها شرعت لاستدراك ندم ينفرد به أحدهما فلم تجب وخيار المجلس شرع لاستدراك ندم يشتركان فيه فوجب * (قوله باب إذا خير أحدهما صاحبه بعد البيع) أي وقبل التفرق (فقد وجب البيع) أي وان لم يتفرقا أورد فيه حديث ابن عمر من طريق الليث عن نافع بلفظ إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا أي فينقطع الخيار وقوله وكانا جميعا تأكيدا لذلك وقوله أو يخير أحدهما الآخر أي فينقطع الخيار وقوله فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع أي وبطل الخيار وقوله وان تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك أحد منهما البيع أي لم يفسخه فقد وجب البيع أي بعد التفرق وهذا ظاهر جدا في انفساخ البيع بفسخ أحدهما قال الخطابي هذا أوضح شئ في ثبوت خيار المجلس وهو مبطل لكل تأويل مخالف لظاهر الحديث وكذلك قوله في آخره وان تفرقا بعد أن تبايعا فيه البيان الواضح ان التفرق بالبدن هو القاطع للخيار ولو كان معناه التفرق بالقول لخلا الحديث عن فائدة انتهى وقد أقدم الداودي على رد هذا الحديث المتفق على صحته بما لا يقبل منه فقال قول الليث في هذا الحديث وكانا جميعا الخ ليس بمحفوظ لان مقام الليث في نافع ليس كمقام مالك ونظرائه انتهى وهو رد لما اتفق الأئمة على ثبوته بغير مستند وأي لوم على من روى الحديث مفسرا لأحد محتملاته حافظا من ذلك ما لم يحفظه غيره مع وقوع تعدد المجلس فهو محمول على أن شيخهم حدثهم به تارة مفسرا وتارة مختصرا وقد اختلف العلماء في المراد بقوله في حديث مالك الا بيع الخيار فقال الجمهور وبه جزم الشافعي هو استثناء من امتداد الخيار إلى التفرق والمراد أنهما ان اختارا امضاء البيع قبل التفرق لزم البيع حينئذ وبطل اعتبار التفرق فالتقدير الا البيع الذي جرى فيه التخاير قال النووي اتفق أصحابنا على ترجيح هذا التأويل وأبطل كثير منهم ما سواه وغلطوا
(٢٧٩)