أنه صلى الله عليه وسلم قد بين ذلك بالأحاديث السابقة المصرحة بخيار المجلس والجمع بين الحديثين ممكن بان يكون بعد العقد فارق عمر بان تقدمه أو تأخر عنه مثلا ثم وهب وليس في الحديث ما يثبت ذلك ولا ما ينفيه فلا معنى للاحتجاج بهذه الواقعة العينية في ابطال ما دلت عليه الأحاديث الصريحة من اثبات خيار المجلس فإنها إن كانت متقدمة على حديث البيعان بالخيار فحديث البيعان قاض عليها وإن كانت متأخرة عنه حمل على أنه صلى الله عليه وسلم اكتفى بالبيان السابق واستفيد منه أن المشترى إذا تصرف في المبيع ولم ينكر البائع كان ذلك قاطعا لخيار البائع كما فهمه البخاري والله أعلم وقال ابن بطال أجمعوا على أن البائع إذا لم ينكر على المشترى ما أحدثه من الهبة والعتق أنه بيع جائز واختلفوا فيما إذا أنكر ولم يرض فالذين يرون أن البيع يتم بالكلام دون اشتراط التفرق بالأبدان يجيزون ذلك ومن يرى التفرق بالأبدان لا يجيزونه والحديث حجة عليهم اه وليس الامر على ما ذكره من الاطلاق بل فرقوا بين المبيعات فاتفقوا على منع بيع الطعام قبل قبضه كما سيأتي واختلفوا فيما عدا الطعام على مذاهب أحدها لا يجوز بيع شئ قبل قبضه مطلقا وهو قول الشافعي ومحمد بن الحسن ثانيها يجوز مطلقا الا الدور والأرض وهو قول أبي حنيفة وأبى يوسف ثالثها يجوز مطلقا الا المكيل والموزون وهو قول الأوزاعي وأحمد واسحق رابعها يجوز مطلقا الا المأكول والمشروب وهو قول مالك وأبى ثور واختيار ابن المنذر واختلفوا في الاعتاق فالجمهور على أنه يصح الاعتاق ويصير قبضا سواء كان للبائع حق الحبس بان كان الثمن حالا ولم يدفع أم لا والأصح في الوقف أيضا صحته وفى الهبة والرهن خلاف والأصح عند الشافعية فيهما انهما لا يصحان وحديث ابن عمر في قصة البعير الصعب حجة لمقابله ويمكن الجواب عنه بأنه يحتمل أن يكون ابن عمر كان وكيلا في القبض قبل الهبة وهو اختيار البغوي قال إذا أذن المشترى للموهوب له في قبض المبيع كفى وتم البيع وحصلت الهبة بعده لكن لا يلزم من هذا اتحاد القابض والمقبض لان ابن عمر كان راكب البعير حينئذ وقد احتج به للمالكية والحنفية في أن القبض في جميع الأشياء بالتخلية واليه مال البخاري كما تقدم له في باب شراء الدواب والحمر إذا اشترى دابة وهو عليها هل يكون ذلك قبضا وعند الشافعية والحنابلة تكفى التخلية في الدور والأراضي وما أشبهها دون المنقولات ولذلك لم يجزم البخاري بالحكم بل أورد الترجمة مورد الاستفهام وقال ابن قدامة ليس في الحديث تصريح بالبيع فيحتمل أن يكون قول عمر هو لك أي هبة وهو الظاهر فإنه لم يذكر ثمنا (قلت) وفيه غفلة عن قوله في حديث الباب فباعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وقع في بعض طرق هذا الحديث عند البخاري فاشتراه وسيأتي في الهبة فعلى هذا فهو بيع وكون الثمن لم يذكر لا يلزم أن يكون هبة مع التصريح بالشراء وكما لم يذكر الثمن يحتمل أن يكون القبض المشترط وقع وان لم ينقل قال المحب الطبري يحتمل ان يكون النبي صلى الله عليه وسلم ساقه بعد العقد كما ساقه أولا وسوقه قبض له لان قبض كل شئ بحسبه (قوله أو اشترى عبدا فاعتقه) جعل المصنف مسئلة الهبة أصلا ألحق بها مسئلة العتق لوجود النص في مسئلة الهبة دون العتق والشافعية نظروا إلى المعنى في أن للعتق قوة وسراية ليست لغيره ومن ألحق به منهم الهبة قال إن العتق اتلاف للمالية والاتلاف قبض فكذلك الهبة والله أعلم
(٢٨١)