من أكابر علماء أهل المدينة في اعصارهم ولا يحفظ عن أحد من علماء المدينة القول بخلافه سوى عن ربيعة وأما أهل مكة فلا يعرف أحد منهم القول بخلافه فقد سبق عن عطاء وطاوس وغيرهما من أهل مكة وقد اشتد انكار ابن عبد البر وابن العربي على من زعم من المالكية ان مالكا ترك العمل به لكون عمل أهل المدينة على خلافه قال ابن العربي انما لم يأخذ به مالك لان وقت التفرق غير معلوم فأشبه بيوع الغرر كالملامسة وتعقب بأنه يقول بخيار الشرط ولا يحده بوقت معين وما ادعاه من الغرر موجود فيه وبان الغرر في خيار المجلس معدوم لان كلا منهما متمكن من امضاء البيع أو فسخه بالقول أو بالفعل فلا غرر وقالت طائفة هو خبر واحد فلا يعمل به الا فيما تعم به البلوى ورد بأنه مشهور فيعمل به كما ادعوا نظير ذلك في خبر القهقهة في الصلاة وايجاب الوتر وقال آخرون هو مخالف للقياس الجلي في الحاق ما قبل التفرق بما بعده وتعقب بان القياس مع النص فاسد الاعتبار وقال آخرون التفرق بالأبدان محمول على الاستحباب تحسينا للمعاملة مع المسلم لا على الوجوب وقال آخرون هو محمول على الاحتياط للخروج من الخلاف وكلاهما على خلاف الظاهر وقالت طائفة المراد بالتفرق في الحديث التفرق بالكلام كما في عقد النكاح والإجارة والعتق وتعقب بأنه قياس مع ظهور الفارق لان البيع ينقل فيه ملك رقبة المبيع ومنفعته بخلاف ما ذكر وقال ابن حزم سواء قلنا التفرق بالكلام أو بالأبدان فان خيار المجلس بهذا الحديث ثابت أما حيث قلنا التفرق بالأبدان فواضح وحيث قلنا بالكلام فواضح أيضا لان قول أحد المتبايعين مثلا بعتكه بعشرة وقول الآخر بل بعشرين مثلا افتراق في الكلام بلا شك بخلاف ما لو قال اشتريته بعشرة فإنهما حينئذ متوافقان فيتعين ثبوت الخيار لهما حين يتفقان لا حين يتفرقان وهو المدعى وقيل المراد بالمتبايعين المتساومان ورد بأنه مجاز والحمل على الحقيقة أو ما يقارب منها أولى واحتج الطحاوي بآيات وأحاديث استعمل فيها مجاز وقال من أنكر استعمال لفظ البائع في السائم فقد غفل عن اتساع اللغة وتعقب بأنه لا يلزم من استعمال المجاز في موضع طرده في كل موضع فالأصل من الاطلاق الحقيقة حتى يقوم الدليل على خلافه وقالوا أيضا وقت التفرق في الحديث هو ما بين قول البائع بعتك هذا بكذا وبين قول المشترى اشتريت قالوا فالمشترى بالخيار في قوله اشتريت أو تركه والبائع بالخيار إلى أن يوجب المشترى وهكذا حكاه الطحاوي عن عيسى بن أبان منهم وحكاه ابن خويز منداد عن مالك قال عيسى بن أبان وفائدته تظهر فيما لو تفرقا قبل القبول فان القبول يتعذر وتعقب بان تسميتهما متبايعين قبل تمام العقد مجاز أيضا فأجيب بان تسميتهما متبايعين بعد تمام العقد مجاز أيضا لان اسم الفاعل في الحال حقيقة وفيما عداه مجاز فلو كان الخيار بعد انعقاد البيع لكان لغير البيعين والحديث يرده فتعين حمل التفرق على الكلام وأجيب بأنه إذا تعذر الحمل على الحقيقة تعين المجاز وإذا تعارض المجازان فالأقرب إلى الحقيقة أولى وأيضا فالمتبايعان لا يكونان متبايعين حقيقة الا في حين تعاقدهما لكن عقدهما لا يتم الا بأحد أمرين اما بابرام العقد أو التفرق على ظاهر الخبر فصح أنهما متعاقدان ما داما في مجلس العقد فعلى هذا تسميتهما متبايعين حقيقة بخلاف حمل المتبايعين على المتساومين فإنه مجاز باتفاق وقالت طائفة التفرق يقع بالأقوال كقوله تعالى وان يتفرقا يغن الله كلا من سعته
(٢٧٧)