وأجيب بأنه سمى بذلك لكونه يفضى إلى التفرق بالأبدان قال البيضاوي ومن نفى خيار المجلس ارتكب مجازين بحمله التفرق على الأقوال وحمله المتبايعين على المتساومين وأيضا فكلام الشارع يصان عن الحمل عليه لأنه يصير تقديره ان المتساومين ان شاءا عقد البيع وان شاءا لم يعقداه وهو تحصيل الحاصل لان كل أحد يعرف ذلك ويقال لمن زعم أن التفرق بالكلام ما هو الكلام الذي يقع به التفرق أهو الكلام الذي وقع به العقد أم غيره فإن كان غيره فما هو فليس بين المتعاقدين كلام غيره وإن كان هو ذلك الكلام بعينه لزم أن يكون الكلام الذي اتفقا عليه وتم بيعهما به هو الكلام الذي افترقا به وانفسخ بيعهما به وهذا في غاية الفساد وقال آخرون العمل بظاهر الحديث متعذر فيتعين تأويله وبيان تعذره ان المتبايعين ان اتفقا في الفسخ أو الامضاء لم يثبت لواحد منهما على الآخر خيار وان اختلفا فالجمع بين الفسخ والامضاء جمع بين النقيضين وهو مستحيل وأجيب بان المراد أن لكل منهما الخيار في الفسخ وأما الامضاء فلا احتياج إلى اختياره فإنه مقتضى العقد والحال يفضى إليه مع السكوت بخلاف الفسخ وقال آخرون حديث ابن عمر هذا وحكيم بن حزام معارض بحديث عبد الله بن عمرو وذلك فيما أخرجه أبو داود وغيره من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا البيعان بالخيار ما لم يتفرقا الا أن تكون صفقة خيار ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية ان يستقيله قال ابن العربي ظاهر هذه الزيادة مخالف لأول الحديث في الظاهر فان تأولوا الاستقالة فيه على الفسخ تأولنا الخيار فيه على الاستقالة وإذا تعارض التأويلان فزع إلى الترجيح والقياس في جانبنا فيرجح وتعقب بان حمل الاستقالة على الفسخ أوضح من حمل الخيار على الاستقالة لأنه لو كان المراد حقيقة الاستقالة لم تمنعه من المفارقة لأنها لا تختص بمجلس العقد وقد أثبت في أول الحديث الخيار ومده إلى غاية التفرق ومن المعلوم أن من له الخيار لا يحتاج إلى الاستقالة فتعين حملها على الفسخ وعلى ذلك حمله الترمذي وغيره من العلماء فقالوا معناه لا يحل له أن يفارقه بعد البيع خشية ان يختار فسخ البيع لان العرب تقول استقلت ما فات عنى إذا استدركه فالمراد بالاستقالة فسخ النادم منهما للبيع وحملوا نفى الحل على الكراهة لأنه لا يليق بالمروأة وحسن معاشرة المسلم الا ان اختيار الفسخ حرام قال ابن حزم احتجاجهم بحديث عمرو بن شعيب على التفرق بالكلام لقوله فيه خشية ان يستقيله لكون الاستقالة لا تكون الا بعد تمام البيع وصحة انتقال الملك تستلزم ان يكون الخبر المذكور لا فائدة له لأنه يلزم من حمل التفرق على القول إباحة المفارقة خشى ان يستقيله أو لم يخش وقال بعضهم التفرق بالأبدان في الصرف قبل القبض يبطل العقد فكيف يثبت العقد ما يبطله وتعقب باختلاف الجهة وبالمعارضة بنظيره وذلك أن النقد وترك الاجل شرط لصحة الصرف وهو يفسد السلم عندهم واحتج بعضهم بحديث ابن عمر الآتي بعد بابين في قصة البكر الصعب وسيأتي توجيهه وجوابه واحتج الطحاوي بقول ابن عمر ما أدركت الصفقة حيا مجموعا فهو من مال المبتاع وتعقب بأنهم يخالفونه أما الحنفية فقالوا هو من مال البائع ما لم يره المبتاع أو ينقله والمالكية قالوا إن كان غائبا غيبة بعيدة فهو من البائع وانه لا حجة فيه لان الصفقة فيه محمولة على البيع الذي انبرم لا على ما لم ينبرم جمعا بين كلاميه وقال بعضهم معنى قوله حتى يتفرقا أي حتى يتوافقا يقال للقوم على ماذا تفارقتم أي على ماذا اتفقتم وتعقب
(٢٧٨)