سلم (قوله فقال لم أنس و لم تقصر) كذا في أكثر الطرق و هو صريح في نفي النسيان و نفي القصر و فيه تفسير للمراد بقوله في رواية أبي سفيان عن أبي هريرة عند مسلم كل ذلك لم يكن و تأييد لما قاله أصحاب المعاني أن لفظ كل إذا تقدم و عقبها النفي كان نفيا لكل فرد لا للمجموع بخلاف ما إذا تأخرت كأن يقول لم يكن كل ذلك و لهذا أجاب ذو اليدين في رواية أبي سفيان بقوله قد كان بعض ذلك و ذإجابه في هذه الرواية بقوله بلى قد نسيت لأنه لما نفى الامرين و كان مقررا عند الصحابي أن السهو غير جائز عليه في الأمور البلاغية جزم بوقوع النسيان لا بالقصر و هو حجة لمن قال أن السهو جائز على الأنبياء فيما طريقه التشريع و أن كان عياض نقل الإجماع على عدم جواز دخول السهو في الأقوال التبليغية وخص الخلاف بالأفعال لكنهم تعقبوه نعم اتفق من جوز ذلك على أنه لا يقر عليه بل يقع له بيان ذلك أما متصلا بالفعل أو بعده كما وقع في هذا الحديث من قوله لم أنس و لم تقصر ثم تبين أنه نسي و معنى قوله لم أنس أي في اعتقادي لا في نفس الأمر و يستفاد منه أن الاعتقاد عند اليقين يقوم مقام اليقين و فائدة جواز السهو في مثل ذلك بيان الحكم الشرعي إذا وقع مثله لغيره و أما من منع السهو مطلقا فأجابوا عن هذا الحديث بأجوبة فقيل قوله لم أنس نفي للنسيان و لا يلزم منه نفي السهو و هذا قول من فرق بينهما وقد تقدم رده و يكفي فيه قوله في هذه الرواية بلى قد نسيت و أقره على ذلك و قيل قوله لم أنس على ظاهره و حقيقته و كان يتعمد ما يقع منه من ذلك ليقع التشريع منه بالفعل لكونه أبلغ من القول و تعقب بحديث ابن مسعود الماضي في باب التوجه نحو القبلة ففيه إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فأثبت العلة قبل الحكم و قيد الحكم بقوله إنما أنا بشر و لم يكتف بإثبات وصف النسيان حتى دفع قول من عساه يقول ليس نسيانه كنسياننا فقال كما تنسون و بهذا الحديث يرد أيضا قول من قال معنى قوله لم أنس إنكار اللفظ الذي نفاه عن نفسه حيث قال إني لا أنسى و لكن أنسى و انكار اللفظ الذي أنكره على غيره حيث قال بئسما لأحدكم أن يقول نسيت آية كذا و كذا و قد تعقبوا هذا أيضا بان حديث إني لا أنسى لا أصل له فإنه من بلاغات مالك التي لم توجد موصولة بعد البحث الشديد و أما الآخر فلا يلزم من ذم إضافة نسيان الآية ذم إضافة نسيان كل شئ فإن الفرق بينهما واضح جدا و قيل أن قوله لم أنس راجع إلى السلام أي سلمت قصد إبانيا على ما في اعتقادي أني صليت أربعا و هذا جيد و كأن ذا اليدين فهم العموم فقال بلى قد نسيت و كأن هذا القول أوقع شكا أحتاج معه إلى استثبات الحاضرين و بهذا التقرير يندفع إيراد من استشكل كون ذي اليدين عدلا و لم يقبل خبره بمفرده فسبب التوقف فيه كونه أخبر عن أمر يتعلق بفعل المسؤول مغاير لما في اعتقاده و بهذا يجاب من قال أن من أخبر بأمر حسي بحضرة جمع لا يخفى عليهم و لا يجوز عليهم التواطؤ ولا حامل لهم على السكوت عنه ثم لم يكذبوه أنه لا يقطع بصدقة فإن سبب عدم القطع كون خبره معارضا باعتقاد المسؤول خلاف ما أخبر به و فيه أن الثقة إذا انفرد بزيادة خبر و كان المجلس متحدا أو منعت العادة غفلتهم عن ذلك أن لا يقبل خبره و فيه العمل بالاستصحاب لأن ذا اليدين استصحب حكم الاتمام فسال مع كون أفعال النبي صلى الله عليه و سلم للتشريع و الأصل عدم السهو و الوقت قابل للنسخ و بقية الصحابة ترددوا بين الاستصحاب و تجويز النسخ فسكتوا و السرعان هم الذين بنوا على
(٨١)