بالصدوق من أشياخ رواة الشيعة وعلمائهم جعل في كتابه المؤلف في اعتقادات الامامية من اعتقاداتهم عدم الزيادة والنقصان في القرآن كما أشرنا إليه في هذا البحث عند ذكر كلام ابن حزم ويأتي نقل كلامه في البحث الثامن إن شاء الله.
وهذا الشيخ أبو علي أمين الاسلام الفضل بن الحسن الطبرسي قدوة المفسرين يقول في مقدمة كتابه في تفسير القرآن المسمى بمجمع البيان: فاما الزيادة فيه فمجمع على بطلانها وأما النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية أهل السنة أن في القرآن نقصانا والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه وهو الذي نصره المرتضى قدس الله روحه واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات وذكر في مواضع أن العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث العظام والكتب المشهورة وإشعار العرب فان العناية اشتدت والدواعي توفرت على نقله وحراسته وبلغت إلى حد لم تبلغه فيما ذكرناه لأن القرآن معجزة النبوة ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتى عرفوا كل شئ اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته فكيف يجوز أن يكون مغيرا أو منقوصا مع العناية الصادقة والضبط الشديد، قال: وقال أيضا أن العلم بتفصيل القرآن، وأبعاضه في صحة نقله كالعلم بجملته وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورة من الكتب المصنفة ككتاب سيبويه والمزني فان أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من جملتهما ما يعلمون من تفصيلهما حتى لو أن مدخلا أدخل بابا من النحو في كتاب سيبويه أو من غيره في كتاب المزني لعرف وميز وعلم أنه ملحق ليس من أصل الكتاب ومعلوم أن العناية بنقل القرآن وضبطه أكثر من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء، قال: وذكر أيضا أن القرآن كان على عهد رسول الله ص مجموعا مؤلفا على ما هو عليه الآن واستدل على ذلك بان القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان حتى عين على جماعة من الصحابة في حفظهم له وأنه كان يعرض على النبي ص ويتلى عليه وإن جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي ص عدة ختمات كل ذلك يدل بأدنى تأمل على أنه كان مجموعا مرتبا غير مبتور ولا مبتوت، وذكر أن من خالف في ذلك من الامامية والحشوية من أهل السنة لا يعتد بخلافهم فان الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخبارا ضعيفة ظنوا صحتها لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته اه وعن الشيخ الطوسي في أول كتابه التبيان أنه قال: أما الكلام في زيادته ونقصه فمما لا يليق به لأن الزيادة فيه مجمع على بطلانها وأما النقصان فالظاهر أيضا من مذهب المسلمين خلافه وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا وهو الذي نصره المرتضى وهو الظاهر في الرواية غير أنه رويت روايات كثيرة من جهة الشيعة وأهل السنة بنقصان كثير من آي القرآن ونقل شئ منه من موضع إلى موضع، طريقها الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا والأولى الاعراض عنها اه وقال الشيخ جعفر النجفي فقيه عصره في كشف الغطاء: لا ريب أن القرآن محفوظ من النقصان بحفظ الملك الديان كما دل عليه صريح القرآن وإجماع العلماء في كل زمان ولا عبرة بالنادر اه وقال الشيخ البهائي:
والصحيح أن القرآن العظيم محفوظ عن ذلك زيادة كان أو نقصانا ويدل عليه قوله تعالى وإنا له لحافظون. وعن السيد محسن البغدادي في شرح الوافية: الاجماع على عدم الزيادة وإن المعروف بين أصحابنا حتى حكي عليه الاجماع على عدم النقيصة اه وصنف الشيخ علي بن عبد العال الكركي رسالة في نفي النقيصة، وقال الفاضل المعاصر الشيخ جواد البلاغي النجفي صاحب كتاب الهدى إلى دين المصطفى في مقدمة كتابه آلاء الرحمن في تفسير القرآن: لم يزل القرآن الكريم بحسب حكمة التشريع والمقتضيات المتجددة آنا يتدرج في نزوله نجوما وكلما نزل شئ هتفت إليه قلوب المسلمين وانشرحت له صدورهم وهبوا إلى حفظه بأحسن الرغبة والشوق وأكمل الاقبال وتناوله حفظهم بما امتازت به العرب وعرفوا به من قوة الحافظة واثبتوه في قلوبهم كالنقش في الحجر وكان شعار الاسلام وسمة المسلم هو التجمل بحفظ ما ينزل من القرآن لكي يتبصر بحججه وشرائعه وأخلاقه الفاضلة وتاريخه المجيد وحكمته الباهرة وأدبه العربي الفائق المعجز واستمروا على ذلك حتى صاروا في زمان الرسول ص يعدون بالألوف وعشراتها وكلهم من حملة القرآن وحفاظه ولما توفي الرسول ص فلا يرجى للقرآن نزول تتمة رأي المسلمين أن يسجلوه في مصحف جامع فجمعوا مادته على حين إشراف الألوف من حفاظه فاستمر على هذا الاحتفال العظيم جيلا بعد جيل ولم يتفق لأمر تاريخي من التواتر وبداهة البقاء ما اتفق للقرآن كما وعد الله جلت آلاؤه بقوله: إنا نزلنا الذكر وإنا له لحافظون. وقوله: إن علينا جمعه وقرآنه. ولئن سمعت في الروايات الشاذة شيئا في ضياع بعضه فلا تقم له وزنا وقل ما يشاء العلم في اضطرابها ووهنها وضعف رواتها ومخالفتها للمسلمين وما ألصقته بكرامة القرآن مما ليس به شبه اه.
ثم أورد شيئا من تلك الروايات وذكر في الحاشية ما روي من أنه جمعه في زمان النبي ص معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبي بن كعب وأبو أيوب الأنصاري وأبو الدرداء وزيد بن ثابت وسعد بن عبيد وأبو زيد، وإن ممن ختمه والنبي ص حي عثمان وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود، وقول زيد بن ثابت كنا عند رسول الله أو حول رسول الله ص نؤلف القرآن من الرقاع اه.
وبذلك تعلم ما هي قيمة هذه الأراجيف التي يرجف بها هؤلاء على الشيعة وإن هذه الروايات الشاذة التي لا يعول عليها قد رواها شاذ من الفريقين.
ويدل على ذلك ما عن الجزء الخامس عن مسند أحمد بن حنبل عن أبي بن كعب قال أن رسول الله ص قال أن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن فقرأ: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب. فقرأ فيها: لو أن ابن آدم سال واديا من مال فاعطيه لسال ثانيا فلو سال ثانيا فاعطيه لسال ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب وإن ذلك الدين القيم عند الله الحنيفية غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية ومن يعمل خيرا فلن يكفره. وذكر رواية أخرى في المسند بعدها بهذا النحو. ونحوه عن جامع الأصول لابن الأثير الجزري. وعن كنز العمال أنه روى هذه الروايات أبو داود الطيالسي وسعيد بن منصور في سننه والحاكم في مستدركه. وعن السيوطي في الاتقان والدر المنثور انه اخرج الطبراني والبيهقي وابن الضريس أن من القرآن سورتين وقد سماهما الراغب في المحاضرات سورتي القنوت ونسبوهما إلى تعليم علي وقنوت عمر ومصحفي ابن عباس وزيد بن ثابت وقراءة أبي وأبي موسى إحداهما بسم الله الرحمن الرحيم اللهم أنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك. والثانية بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إياك