وبلحاظ التحفظ الثاني قال في الوسيط ما نصه:
" ثم إن القاضي إذا رأى الإثبات بالبينة مستساغا وقدر أن الوقائع المراد إثباتها متعلقه بالحق المدعى به، ومنتجة في الإثبات، وسمع الشهود في هذه الواقعة، فإن له بعد ذلك كله سلطة واسعة في تقدير ما إذا كانت شهادة هؤلاء الشهود كافية في إثبات هذه الوقائع، وهو في ذلك لا يتقيد بعدد الشهود، ولا بجنسهم، ولا بسنهم، فقد يقنعه شاهد واحد، ولا يقنعه شاهدان أو أكثر، وقد يصدق المرأة، ولا يصدق الرجل، وقد تكون شهادة صبي صغير أبلغ في إقناعه من شهادة رجل كبير. وقد كان للشهادة في القديم نصاب محدد: رجلان، أو رجل وامرأتان، أو شهود أربعة، أو نحو ذلك، فزال هذا النصاب لا في المسائل الجنائية فحسب، بل أيضا في المسائل المدنية والتجارية، وكذلك زالت ضرورة تزكية الشهود، فلم يعد الشاهد يزكيه شاهد آخر، بل الذي يزكيه هو مبلغ ما يبعثه في نفس القاضي من الاطمئنان إلى دقته والثقة في أمانته " (1).
وما يظهر من هذه العبارة من قبول شهادة الصبي قد لا يفترض صحيحا في الفقه الوضعي، كما يفهم ذلك من كتاب رسالة الإثبات لأحمد نشأت، حيث قال:
" ولا يصح الأخذ بشهادة من لا يبلغ عمره خمس عشرة سنة كاملة، وتسمع أقواله على سبيل الاستدلال فقط بغير يمين.... وكانت السن (14) سنة في قانون المرافعات السابق، ومفاد ذلك أنه لا يصح أن يبني القاضي حكمه على شهادته أو أقواله وحدها، وله فقط أن يسترشد بها لتعزيز شهادة شاهد بالغ أو أي دليل قانوني آخر " (2).