وحاصل الكلام بالنسبة للصغير أنه لا يجوز فرضه شاهدا بأن يكتفى بكلامه مع يمينه - فإنهم يشترطون مع البينة اليمين، أي يمين الشاهد -. نعم، يجوز فرضه قرينة من القرائن ولو لم يحلف، وقد يضم إلى قرائن أخرى إلى أن توجب القناعة في نفس القاضي، فيأخذ بشهادته لا كبينة، بل كقرينة من القرائن. ولعل هذا هو مقصود صاحب الوسيط من افتراض جواز قبول شهادة الصغير.
وعلى أي حال فالدكتور عبد الرزاق السنهوري يرى في كتابه (الوسيط) أن القرآن قد أتى بأرقى مبادئ الإثبات في العصر الحديث، وهو الكتابة على ما نص به في آية التداين، ولكن لما كانت حضارة العصر تقصر دون ذلك لغلبة الأمية لم يستطع الفقهاء إلا أن يسايروا حضارة عصرهم، فإذا بالفقه الإسلامي يرتفع بالشهادة إلى مقام تنزل عنه الكتابة نزولا بينا. قال: " ومن العجب أن عصر التقليد في الفقه الإسلامي لم يدرك العوامل التي كانت وراء تقديم الشهادة على الكتابة، فظل يردد ما قاله الفقهاء الأولون في تقديم الشهادة... " (1).
أقول: إن الآية المباركة لا دلالة فيها على كون الكتابة مصدرا للإثبات في القضاء عند المرافعة، وأن البينة مصدر ثانوي للإثبات، وإنما الآية أكدت على ضرورة الكتابة، وقد يكون ذلك للتذكير والمنع عن النزاع.
ثم الكتابة حينما تفيد العلم خصوصا القريب من الحس فإغفالها إنما هو صادق بشأن الفقه السني. أما الفقه الشيعي، فقد اعترف بحجية علم القاضي وتقدمه على البينة. وحينما لا تفيد العلم، فالعلم الحسي للبينة كان أقرب إلى الواقع من ظن القاضي الناشئ من الكتابة لدى الشارع حتى لو أخذ بعين الاعتبار احتمال خطأ القاضي في فهم البينة.