يستطيع أن يشهد ويستطيع أن يحلف في المدة التي تمضي بين الحكم وبين التنفيذ - أي مدة العقوبة - بالرغم من الحكم عليه بأشد عقوبات الجناية. إذن لا مفر من اعتبار مدة إيداعه في السجن من وقت الحكم حتى التنفيذ مدة عقوبة، لأن هذه المدة ليست إلا توطئة لتنفيذ العقوبة، فلا شك أنه يصح اعتبارها مدة عقوبة. وعلى أي حال مثل هذا الشخص يكون غالبا في حالة لا يصح فيها الاعتماد على أقواله سواء حلف أو لم يحلف (1).
أقول: إن نفوذ شهادة الجاني قبل مدة الحكم عليه وبعد نهايتها لا يمكن تبريره من حيث فلسفة التشريع إلا بافتراض أن الشهادة حق من الحقوق سلب في مدة المحكومية، بينما من الواضح أن الشهادة لا ينبغي إلا أن تفرض واجبا من الواجبات، وكم فرق بين هذا القانون الوضعي وقانون الشريعة الإسلامية الغراء الذي لا يقبل شهادة الفاسق إلا بعد التوبة ورجوع الملكة لو زالت.
أما النقض بمسألة الإعدام فبإمكانهم أن يجيبوا عليه بأن الجاني يسلب عنه حق الشهادة ليس مدة تنفيذ الحكم عليه فقط، بل مدة محكوميته، فهو من حيث صدور الحكم بالقتل مشمول لقانون سلب حق الشهادة عنه.
وأما ما قالوا: من أن المحكمة لها أن تأمر بالإثبات متى رأت في ذلك فائدة للحقيقة فلها عندئذ أن تستدعي للشهادة من تريد. فالرأي الصواب في فقهنا الإسلامي هو أن المدعي له الحق في رفع اليد عن القضاء بشهادة أي شاهد لا يريده، والاكتفاء بتحليف المنكر. نعم، حينما تكون القضية مشتملة على أمر آخر غير المرافعة كقضية أمنية من حق حاكم الشرع متابعتها، فهنا من حق الحاكم أن يأمر بالإثبات وأن يستدعي من يريد من الشهود.